صور لا بدّ أنها مرّت أمامك وأنت تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، من بنايات وجسور ومحال وناطحات سحاب.. و.. و.. وهي تتهاوى على ساكنيها بفعل الزلازل وارتداداتها، ولعلك توصلت إلى قناعة تفضي إلى كون البشر ما هم بالحقيقة سوى رقم هش لا يُحسب له حساب في معادلة الموت والحياة، بل هو صفر على الشمال في كل المعادلات الكونية.
الضحايا الذين فارقوا الحياة بغمضة عين وهم نائمون.. المنكوبون تحت الأنقاض وهم يصارعون أنفاسهم كي يبقوا على قيد الحياة.. تلاشت أحلامهم في زلزلة واحدة، وَأَدَت كل أمانيهم في إغماضة ليل مدلهم، واستحالت إلى قطع متفرقة يصعب جمعها، بعد أن تلاشت بفعل ضربات القدر، القدر....؟ سبحان الله ومن هو صانع أقدارنا نحن البشر؟! أليس هو رب الأقدار كلها؟ أليس هو الله الواحد الأحد؟
عجبا للبشر.. كيف لا يرعوي عن غيّه ويعود إلى رب الأرباب وقاهر العباد ومن بيده كل الأقدار خيرها وشرّها؟!
هذه الزلازل كشفت لنا ولكل قاصي وداني، أنّ الإنسان هو أضعف مخلوقات الله، مع ما وصل إليه من التطور والتكامل والرقي، لكنه يظل ذليلاً وأسيراً في قبضة قَدَر.
افعل ما تشاء، وخطط كما تشاء، واستنفر كل قواك، واستجلب كامل دهائك، واصنع لنفسك حاضرا مزدهرا عامرا بكل صنوف الفرح والبشارة والرخاء، لكنك لن تفلت من أقدار الله إذا جاءت... تلك الأقدار التي تمتحنك وتغربلك وتضعك في خانة البلاء والتمحيص.
لقد كشفت الزلازل بواطننا وعرينا الداخلي، وأماطت اللثام عن ضعفنا الساكن في أحشائنا، وجعلتنا نقف مبهورين أمام ضربات القدر.. وما أكثرها؟!
وما الزلازل إلا هزّات ربانية تهتز لها قلوبنا، وتنخلع بسببها أفئدتنا، لنعلم أنّ الله هو القوي العزيز، ونحن البشر ليس لنا من الأمر شيء، وأننا لا حول لنا ولا حيلة.
ولعلّ الفيديو الذي تمّ تداوله هذه الأيام، لطفلة سورية تحت الأنقاض وهي تتوسل لمنقذها المصور بأن يخرجها سريعا ولتكون له خادمة طوال عمرها، يكشف لنا مدى هشاشة البشر أمام ضربات القدر.
يصف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ضعف الإنسان وقلة حيلته بقوله: (مسكين ابن آدم، مكتومُ الأجل مكنون العلل محفوظ العمل، تُؤلمه البَقَّةُ وَ تقتله اَلشَّرْقَةُ وَ تُنْتِنه العَرْقَة).
لكننا في كل مرة ننسى، فلا نتعظ مما يجري حولنا، ولا نأخذ العبرة من معتبر، وكأن الإبتلاءات لسنا معنيين بها من قريب أو بعيد.
في الضرّاء تتضح مواقف البشر وتنكشف كل السوءات، وتُفتح كل مصاريع الأبواب المقفلة، ونصبح أمام ضربات القدر خواء ولكن.. (ليقضي الله أمرا كان مفعولا، ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة).
إيّاك أن ترسم حزنا على محيّاك يُشم منه رائحة عنصرية مقيتة.. فكل المنكوبين هم سواسية في الامتحان.. فلنتعاطف معهم جميعا بلا تمييز... ولنزدد حزنا على نكبة عوائل بكاملها تلاشت تحت الأنقاض، ولنزدد حزنا على أطفال وُئدوا تحت التراب وهم أحياء، ولنزدد حزنا على أقدار لا حول ولا قوة لنا أمامها إلا بالدعاء، فلندعوا لهم بالرحمة واللطف الإلهي.
ولأننا لا نمتلك أمضى من هذا السلاح، فلندعوا لأنفسنا ولجميع البشر، بأن يجعل الله أقدارنا أجمل الأقدار، وأن يحوّل حالنا ألى أحسن حال.
اللّهم نسألك لطفك ورحمتك بعبادك أجمعين.
اضافةتعليق
التعليقات