الحرب في جوهرها تبادل منظم للعنف، والدعاية في جوهرها عملية إقناع منظمة، وبينما تهاجم الأولى الجسد، فإن الثانية تنقض على العقل، الاولى حسية، والثانية نفسية. وفي زمن الحرب تهاجم الدعاية والأعمال الحربية النفسية جزءا من الجسد لا تستطيع الأسلحة الأخرى أن تصل اليه، في محاولة للتأثير في طريقة أداء الأطراف المشاركة في ميدان القتال.
إنهما تحاولان رفع معنويات أحد الجانبين وأن تنسفا إرادة القتال لدى الآخر. وعلى هذا النحو، وعلى الرغم أنهما لا تستطيعان -وحدهما- كسب الحرب، فإنهما سلاحان لا يقلان أهمية عن السيوف أو البنادق أو القنابل.
ومن المؤكد أن أسلحة العقل ومتفجراته هذه قد أصبحت معقدة بشكل متزايد مع ما تحقق من أنواع التقدم في التكنولوجيا وعلم النفس، غير أن الملحمة الشعرية والرسم في الماضي لا يزيدان شيئاً، عن الفلم او المذيع التلفزيوني الدعائيين الآن، وعلى الرغم من ان الدعاية للحرب قد زادت زيادة مثيرة في القرن الحالي، فإنها نشاط يرجع الى الزمن الذي التقط فيه انسان ما، للمرة الاولى، عصا غليظة في سورة الغضب.
وتبقى الدعاية في ذاتها ليست عملا خبيثا ولا شريرا، إنها في الحقيقة ليست أكثر من تنظيم الوسائل التي تصمم لإقناع الناس بأن يفكروا ويسلكوا بطريقة معينة، ومع ذلك تبقى الوصمة ولا تزول اذ يحكم على الدعاية بأنها نشاط يرغم الناس على ان يفعلوا شيئا كان يمكن الا يفعلوه لولا وجوده، وعلى ذلك فإن الدعاية تعرف بأنها المحاولة (العامدة) لإقناع الناس، بكل الوسائل المتاحة، بأن يفكروا ويسلكوا بأسلوب يرغبه المصدر، انها وسيلة لغاية، وتتنوع الأساليب المستخدمة تبعا للتكنولوجيا المتاحة، ولا يهمنا إن كان السلوك المطلوب ينتج عن الجهد المبذول، فذلك الفرق بين الدعاية الناجحة والدعاية الفاشلة، فالنجاح ينبغي أن يحسب قياساً إلى النوايا، ولكننا لا ينبغي أن ننغمس هنا في مجادلات حول ما إذا كان الهدف يبرر الوسائل.
وعلى الرغم من أن الحرب قد لقيت الاعتراف باعتبارها نشاطا مقبولا، بل غالبا ما اعتبرت نشاطاً طبيعيا ومجيدا، فإن الكثيرين ما يزالون يعتبرون الدعاية شيئا مختلفا تماما بوصفها عملية مرفوضة رفضا كليا، لأنها توضع لكي تنسف إرادة الاشتراك في فن الحرب المقبول.
ويحتاج الانسان الى ادراك العملية الدعائية اكثر حتى يتمكن من فصل الواقع عن الاعلام الزائف، ليبني على اثره صورة حقيقية متكاملة عما يحدث في العالم.
اضافةتعليق
التعليقات