ازمات الواقع الحالي ما هي الا امتداد لأزمات الأمس، تتكرر الوقائع ويختلف الاشخاص، بالأمس مسلم لبى الرسائل المتهادرة على الحسين (ع) وكان سفيرا فوق المعتاد تجتمع فيه كل الصفات السامية من ورع وتقوى وعزم وجهاد، حيث حظى هناك بجمع غفير حوله يبايعونه ويتعاهدون عنده على بذل النفس والمال، واكثروا عليه الحاحاً ليسرع الحسين (ع) اليهم وينقذهم من ظلم الحاكم.
تجاوز اعداد الذين بايعوه الآلاف من الرجال فما كان منه الا ليرسل للحسين (ع) ليعجل بقدومه فهنا الالاف من الانصار لدين جده ورسالته ولكن زهو الدنيا كان المسيطر الاكبر على نفوس الذين نصروه ليناً بألسنتهم، فبأقل اغراء ودهاء من ابن زياد استطاع ان يثنيهم عن مبدأهم وعقيدتهم ليتركوا مسلم (ع) وحيداً غريباً في طرقات الكوفة.
وتضاءل عدد الالاف حين خرج من المسجد الى باب كنده فلم يجد معه الا عشرة رجال وتناقص العدد الى ثلاثة وعندما اجتاز الباب ولم يمضِ الا قليلا واذا به لم يشاهد احدا ولو فردا واحدا ليدله على الطريق فبقى يمشي راجلاً حائراً مضطرباً.
ووسط ذلك الجو المشحون بالخوف والهروب من السلطة الحاكمة، هنا برزت امرأة بألف رجل، طوعة، التي وقفت وقفة مشرفة تشهد لها سطور التاريخ، لما رأى مسلما داراً عالية آثر الاستراحة قليلاً امامها ليمضي بعد ذلك الى حال سبيله، فوجد عند مدخل الدار امرأة فبعد السلام عليها طلب منها شربة ماء.
فتحت طوعة ابواب دارها لسفير الحسين صلوات الله عليه ما ان عرفت نسبه والامر الذي قدم اليه
لتعطي بموقفها هذا عبرتين للأمة:
اولا: لاتستوحش طريق الحق لقلة سالكيه وناصريه، وان العقيدة فوق كل شيء.
ثانياً: كانت امرأة ولكن سبقت كل رجال زمانها بقوتها وجهادها حتى من ابنها الذي كان في دارها،
فكانت كأمرأة فرعون مثلاً للذين امنوا من الرجال والنساء، فعلى النساء ان تعرف حجم المسؤولية الملقاة عليها وانها قادرة على صنع المعجزات وقلب الموازين.
فما ان اقبل الصباح حتى وشى ابنها الشقي بأمر مسلم الذي في داره رغم ان امه اخذت منه العهود والمواثيق بالايمان الغليظة لكنه كان اقرب للعذاب ونار جهنم، فمضى مسلم شهيداً عطشاناً.
اليوم تكثر مناجاتنا وادعيتنا واستغاثاتنا لصاحب الزمان (عج) وقد غيب عنا، وغاب كل دليل يدل عليه، لنبقى في محض ترقب وانتظار.
وكانت احاديث العترة الطاهرة سفيرة للغائب (عج) عنا فهل يا ترى عند اقتراب ظهوره سنكون كـ طوعة ام كأهل الكوفة الذين استغاثوا من الظلم والجور في زمانه وسرعان ما تراجعوا غدراً بابن بنت نبيهم.
اولا، يجب علينا سقي عقيدتنا بماء معين لكي تكون قوية في رياح المغريات الدفينة في زمن الجور والعدوان. علينا ان ننتبه لان زماننا زمان جور وفتن ولنغربلن ونغربلن !فالاحرى بنا الحذر، وان نتذكر دائماً ان صاحب الزمان يمشي غريباً في سكك الدنيا، فهل من ناصر ينصره بعمله وعلمه وطاعته؟!.
اضافةتعليق
التعليقات