يدخل العدوان على قطاع غزة المحاصر عامه الثاني، هي ليست حرباً بل إبادة شعواء لكل ما هو حياة.
لم تكن حرباً عسكرية متكافئة أو عادلة أو تخضع للقوانين الدولية، ولم تكتفي بالحصار وتجريف الأراضي، وكان العدو على مدار عام يخوض حرباً نفسية ضروس ضد هذا الشعب وكل حر من أحرار هذا العالم، وقد ساهم بترسيخ أثر تلك الحرب الإعلام العربي الذي يعمل دون رؤى في أحسن تقدير، أو الذي يعمل بخبث مقصود ومخطط له في أكثر تقديرات خذلاناً.
فماذا فعل الإعلام العربي؟
- عزز وجوده كدولة
عبر تعيين ساعات من البث للحوارات مع شخصيات من الحكومة المحتلة، أو ناطقين باسم حكومة الاحتلال، أو النقل عن وسائل إعلامه باعتبارها مصادر موثوقة، أو التعرض لشكل الحكم ومواعيد الانتخابات، وأنظمة الإدارة، وتخصيص ساعات أخرى من التحليل لقراءة المزاج العام لـ "شعبه" وهو الذي لا شعب له.
- أنسنه
امتلأت الصحف وساعات البث بقصص الأسرى، وأقوال الصحفيين والسياسيين وعلماء الدين والأكاديميين التابعين لهم، صور قتلاهم وشوارعهم ومبانيهم الجميلة والرائج من المحتوى على وسائل التواصل لديهم، وإنجازات شعوبهم العلمية والفكرية والأدبية والفنية والرياضية.
قدمت وسائل الإعلام العربية العدو على أنه الآخر المدني الذي يشبهنا... له وسائل إعلامه التي بتنا نعرفها بأسمائها، وله لغته التي نعتاد نبرتها بل نتعلمها، إنسان يجب التعاطف معه، وهذه الأرض أرضه، وهو يعيش هنا.
- برأه
قدم المشكلة على إنها حرب حكومة "نتنياهو" اليمينية المتطرفة، ليست المشكلة في "الفكر الصهيوني" أو "الشعب" أو أحزابه، فلو أجريت الانتخابات، سيسقط نتنياهو، وسيعود الوضع إلى حال من السلام، وكأن الأرض هذه كانت في سلام منذ وعد بلفور.
- ضخم روايته
استخدم عباراته كما هي ورددتها دون تفكير، فهي حرب على الإرهاب في غزة، السابع من أكتوبر وليس طوفان الأقصى، حرب على محور الشر وليست إبادة للمدنيين، وهو حق الدفاع عن النفس ضد الهجمات الإرهابية من أجل السلام طبعاً.
والأمر لم يتوقف على استخدام العبارات والشعارات والتسميات والمفردات، بل حتى توحد السرد للحدث، فهي غارة لتحرير الأسرى، وليست مجازر وحشية للمدنيين.
كما إنها استخدمت تقاريره وإحصائياته، وروت أزماته الداخلية بين اليمين واليسار واصفة أحد التيارات بالمتطرف بلغة إعلام العدو ذاتها، وكأن هناك جانباً غير متطرف باتجاهنا؟!
- شارك في ألاعيبه
وعلى مدى عام تم بث تصريحات ومعلومات أراد بها العدو إضعاف الروح المعنوية وتدمير الدعم الشعبي للمقاومة أو إلهائهم بأمور غير حقيقية، فكان ملف المفاوضات ملفاً مهماً للتلاعب، وقصص الإنشقاق في حكومة العدو وخلاف قادته وحرب أحزابه، وتشويه المقاومة أو الإدلاء بتصريحات كاذبة عنها، وغير ذلك مما لا يتسع المجال لذكره، وكرره الإعلام العربي كالببغاء، وتسبب في ضرر بالغ في قلوب شعب غزة والشعوب الحرة، كما ساهم في سوء تقدير الموقف، وتشتيت وإلهاء الجموع.
- منحه معلومات دقيقة
في أحيان كثيرة جداً كانت التحليلات التي تبثها القنوات أو الصور المباشرة أو المقابلات العفوية مع شعب غزة تعطي معلومات استخباراتية دقيقة تكون سبباً في الاعتداءات والقصف لم يكن ليحلم العدو بالوصول إليها بهذه السهولة.
- حولت الشعوب المضطهدة إلى قصيدة شاعرية
قدمت الشعوب على إنها حديدية قادرة للعيش في ظل كل الظروف والابتسام والمواصلة لأنها خلقت من صمود وعزم، وإنها تستطيع تحمل الحرب، بل خلقت لمواجهة الحروب والعيش تحت وابل الرصاص وشظايا الصواريخ، سالبة حق هذه الشعوب في الألم والمعاناة، والمطالبة بوقف الحرب... لذا أيها العدو اضرب أكثر سيتحملون، إنهم بخير... ما زالوا يخترعون اختراعات عظيمة، ما زال لديهم ما يساعدهم على العيش.
وعلى الرغم مما ذكر، فقد كرست الوسائل الإعلامية جهودها دون توقف على مدى عام لنقل هذا العدوان نقلاً حياً يصل عبره صوت المظلومين لكل العالم، وفقدت غزة ما يقارب ٢٠٠ صحفي استشهدوا أثناء قيامهم بالواجب، وأظهروا بسالة قل مثيلها، ومن أجل هذه الدماء الزكية وحدها ووفاءً لها على وسائل الإعلام أن تراعي بدقة أبعاد ما تنشر، وأن تحرص على معاني رسائلها الظاهر والباطن، وأن تدرك إن الأمر ليس بالكم بل بالكيف، حرصاً على إرثها الإعلامي ورصانتها قبل أي أمر آخر.
اضافةتعليق
التعليقات