لا أملك القدرة على نسج ثوب النسيان بخيوطي البالية، فأنا صرت أسيرة الزمان والمكان، ولكني اضطررت لإطلاق العنان لحروفي التي أضحت مكبلة بقيود الذاكرة، کانت أوراقي البيضاء تدعوني مجدداً لمائدة البوح، أجبتها: عذراً فأنا عازمة على الرحيل، شفّرت جمیع ذکریاتي الماضية وهرمت كل الاشياء بداخلي، آسفة إن رحلت بغير وداع فمشاعري شارفت على الأفول، أشجاري أصبحت بلون خريفي باهت، تمر کل الذکریات التي تجمعنا سویة لتصفعني بقوة ولا استيقظ.
لا استیقظ إلا بعد عامین ونصف من رحیلي، دقات الساعة تذكرني بساعة بيتي المعلقة على الجدار، تجرفني تلك الدقات بالحنين الى أيامي الماضية، اعتصرني الألم، تذكرت ساعة خروجي من جنتي لأسباب تافهة، كنت أراها عظيمة، بعدها خضت في أرجاء المجتمع لأعاشر نسوة كانت تحفل حياتهن مع أزواجهن بالكثير من المتاعب والمعاناة، وكنت أنا الجزء الأبسط من أجزاء القصص التي سمعتها ورأيتها، لم يكن ناقوس الفراق يقرع بيننا لو أنني تمتعت بشيء من الرويّة وسمعت نصيحة من احدهم او حكمة او تجربة من الاخر، فلم أكن أتذكر من زوجي سوى مساوئه، فانا كما عبرت عني صديقة حنّكتها الحياة بالتجارب حين قالت لي: أنت تنظرين إليه بعينيّ ذبابة، فتّشي في دواخلك عن النحلة وشقّي طريق حياتك الزوجية بتلك العينين فهما سر النجاح والاستقرار.
نعم کان کلامها هو عین الصواب، فعندما استعدت شريط الماضي كانت حياتنا عبارة عن اتهامات متبادلة، ونظرة سوداوية للحياة، أصبح التشاؤم هو قائدنا ونسينا ان نكون جميلين كي نرى الوجود من حولنا جميلا، فالنحلة تبحث عن الجميل، الورد والزهر والعطور الطيبة، فتعطي الجميل وكما جاء عنها في أحاديث الأئمة (سلام الله عليهم) بقول الإمام علي (ع): (مثل المؤمن كالنحلة إن أكلت، أكلت طيبا وإن وضعت وضعت طيبا وان وقفت على عود نخر لم تكسره).
وقال رسول الله (ص) لأصحابه ذات مرة: لا تكونوا كالذبابة. فتعجب الصحابة وسألوا النبي (ص): وكيف نكون كالذبابة يا رسول الله؟. فقال النبي (ص): ألا ترون الذبابة تترك الطيبات وتجلس على الخبائث.
إذاً کوني رقيقة حتى بمرورك على شيء فارغ المحتوى ولا تكسري القلوب فكسرها لا يُجبر، ولا تكوني كالذبابة تقع على كل قبيح وبشع ونتن، كنت لا أرى في حياتي معه سوى السلبيات، أما الايجابيات فكنت أضع نظرات معتمة فوقها وكأني أخشى سطوع نورها الى عالمي المعتم، فكان عدم النظر الى المحاسن والايجابيات والتركيز على الأخطاء والسلبيات أولى بوادر هدم حياتي الزوجية.
لكي تتمتعي بحياة زوجية مستقرة امسكي بورقة وقلم وتذكري ايجابيات زوجك، واحتفظي بها لنفسك للتذكير بان زوجك ليس بهذا السوء، بامکانك مدح الزوج على ما فعله من أجلك، بإمكانك بناء عشك من جديد او ترميمه إن شئتِ وان تسعدي زوجك وتجعليه يشعر بالحب والتقدير والإعجاب بتصرفات بسيطة او حركات او حتى بعبارات مدح، فمثلاً عندما تبدين فرحك وسعادتك بما يقوم به من إحضار مستلزمات البيت او المساعدة في تدريس الاطفال او بالتعبير عن سعادتك وتقديرك، أو اذا قام بإيصالك لمكان تودين الذهاب اليه، بالمدح والدعاء.. وراقبي النتائج المبهرة لسلوكه وحرصه على إرضائك اكثر واكثر.
فالازواج يتصرفون حسب تقديرك لتصرفاتهم وقدراتهم، فحين تتعاملين معه انتقي ألفاظك لأنها ستشكل مسيرة حياتكما، فعبارة: أنت كريم جداً او انت زوج رائع.. سوف ترسخ بعمق في العقل الباطن للزوج ولعل البرمجة اللغوية العصبية من العلوم التي تستفيد منها الزوجة من خلال التطبيقات العملية لها، وكمثال على ذلك ان تركز الزوجة في تفكيرها على الايجابيات الموجودة في زوجها لا على السلبيات ويأتي ذلك بالترتيب طبعاً وباستخدام أساليب معينة.
كلمة أخيرة.. غوصي في أعماق حياته واستخرجي ايجابياته.
كثير من الزوجات لا يشعرن بسعادة في حياتهن الزوجية بسبب نظرتهن السلبية إلى أزواجهن، فهن لا ينظرن إلا في أوجه النقص والقصور، وقد تكون الجوانب الإيجابية في أزواجهن أكثر بكثير من الجوانب السلبية إلا أن النظرة السوداوية للأمور قد تخطت كل فعل جميل، ومالت إلى ما يشاكلها من الأفعال غير المرضية.
إن على الزوجة أن تبحث في إيجابيات زوجها وتعددها وتحمدها له وتحاول تنميتها، وعليها كذلك أن تتحمل نقاط الضعف وتتناساها، ولو أنها قابلت الإساءة بالإحسان لأثر ذلك في زوجها تأثيراً بالغاً، ولربما كان سبباً في تبدل أسلوبه معها، واستبدال تلك الصفات السلبية بأخرى إيجابية محمودة.
اضافةتعليق
التعليقات