يُحكى ان عروة ابن الزبير دخل مجلس الخليفة ذات يوم فوجد شيخًا طاعنًا في السن مهشم الوجه أعمى البصر فقال الخليفة: يا عروة سل هذا الشيخ عن قصته؟
قال عروة: ما قصتك يا شيخ؟
قال الشيخ: يا عروة اعلم أني بت ذات ليلة في وادٍ، وليس في ذلك الوادي أغنى مني ولا أكثر مني مالاً وحلالاً وعيالاً، فأتانا السيل بالليل فأخذ عيالي ومالي وحلالي، وطلعت الشمس وأنا لا أملك إلاّ طفلًا صغيرًا وبعيرًا واحدًا، فهرب البعير فأردت اللحاق به، فلم أبتعد كثيراً حتى سمعت خلفي صراخ الطفل فالتفتُ فإذا برأس الطفل في فم الذئب فانطلقتُ لإنقاذه فلم أقدر على ذلك فقد مزّقه الذئب بأنيابه، فعدتُ لألحق بالبعير فضربني بخفه على وجهي، فهشم وجهي وأعمى بصري!
قال عروة: وما تقول يا شيخ بعد هذا؟!
فقال الشيخ: أقول اللهم لك الحمد، فقد ترك لي قلبًا عامرًا ولسانًا ذاكرًا.
هذا نموذج المؤمن الحق، المتوكل على الله، وأول نماذج الصبر التي قرأنا عنها في صفحات التاريخ وتناقلتها الألسن بفخرٍ وحزنٍ هي سيدتنا ومولاتنا زينب والمصيبة التي مرت بها والحمل الثقيل الذي وضع على عاتقها بين ليلة وضحاها فكان الصبر طبعها وملاذها، فبشر الله الصابرين بقوله تعالى: "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" وقالَ جل وعلا: "وَلَنبلوَنكُم حَتى نَعلَم المُجَـاهِدِينَ مِنكُم وَالصابِرِينَ" سورة محمد/31.
في عصرنا هذا بعد أن تعددت وسائل الراحة وشرعت القوانين لحفظ كرامة الإنسان وحقوقه ومنحه الحرية في التعبير عن آراءه وأفكاره نلاحظ تزايد حوادث الانتحار.
فهذا ينتحر كون أهله لم يوافقوا على تزويجه من حبيبته!
وهذه تنتحر لان زوجها قاسٍ في معاملته معها ويضربها!
وشابة يمتلئ قلبها حزنا وكآبة وتصاب بالملل من الحياة بدون سبب واضح فتنتحر!
وصبي يربط الحبل حول عنقه ويطلب من أخيه الصغير أن يصوره وهو يموت بدون سبب!
فماهي مصائبهم حتى ينتحروا؟!، ولماذا أصبح شبابنا سريعي الجزع وأين ذهب التحمل والتأني والتفكر ومعالجة الأمور بحكمة ودراية؟!
أسباب حوادث الانتحار
يرى المختصون بعلم النفس إن أول الأسباب وأهمها هو ضعف الوازع الديني فديننا الحنيف يحرم قتل النفس تحت أي ذريعة او تعرضها لأي نوع من العذاب الجسدي وقد قال النبي (ص): (ومن قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم) وعلى الرغم من إن بعض الدراسات العلمية كشفت تأثير الجينات الوراثية على الشخص وجعله يقدم على الانتحار. كذلك المشاكل النفسية التي يصاب بها الفرد نتيجة السيطرة والتحكم وسلب الحرية واستخدام الضرب والكلام الجارح من قبل الأهل او الزوج فيشعر الشخص بالبؤس والظلم والقيود والحرمان وأيضا الفشل المتكرر في العمل فيشعر الشخص انه اقل كفاءة واقل حظوظا من الآخرين فيصاب باليأس.
وكذلك النظرة السوداوية للمستقبل لدى البعض فتجعلهم سلبيين وذي مزاج سيء وانطوائيين ومعزولين وغيرها من الأسباب والتي لا يحيل بينهم وبين هذه الخطوة الشيطانية التي يقدمون عليها في ساعة غضب سوى الأيمان بقضاء الله وقدره وإدراك خطورة هذه الجريمة وشدة عقاب الآخرة .
كيف نتخلص من فكرة الانتحار؟
عليك أن لا تمضِ متسربلاً على طريق الكفر، فاستعن بالله وبدلاً من أن تشكي همومك للناس ناجي ربك وبث شكواك له فهو وحده يعرف حرارة دموعك وما يكنه قلبك من المٍ فهو القائل: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجيب دعوةَ الداعِ إِذَا دعانِ فَليستَجِيبُوا وليؤْمِنُوا بِي لَعَلَهم يَرشدونَ) البقرة: 186.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (إذا دنا العبد إلى الله تدلى الله اليه، ومن تقرب اليه شبرا تقرب اليه ذراعا، ومن تقرب اليه ذراعا تقرب اليه باعا، ومن اتاه مشيا جاءه هرولة، ومن ذكره في ملأ ذكره في ملأ أشرف، ومن شكره شكره في مقام أسنى، ومن دعاه بغير لحن أجابه، ومن استغفره غفر له) (1).
واعلم ان الدنيا باقية وماضية بك او بدونك، فصبراً لعل في بقائك سينصرك الله ويعينك، وربما يمن عليك فيقوّم اعوجاجك الذي تعاني منه او يفتح لك بابا يئست من فتحه او ربما يأتي شخص لم تتوقعه فيكون الأنيس وسببا لسعادتك وينسيك الأيام المريرة وربما وربما فلا يعلم الأقدار غير الله.
اضافةتعليق
التعليقات