في كل عام، يعود شهر محرم الحرام ليذكرنا بواقعة الطَّف الأليمة التي قُتل فيها سبط النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)، خامس أصحاب الكساء وثالث أئمة أهل البيت (عليهم السلام) مع جمع من أبنائه وأصحابه الكرام البررة بأرض كربلاء.
تعتبر القضية الحسينية، المستمدة من ثورة الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) في كربلاء، واحدة من أبرز القضايا التي تحمل في طياتها معانٍ عميقة من التضحية والشجاعة والعدالة. ومع اقتراب هذه المناسبة الاليمة، تشهد منصات وسائل التواصل الاجتماعي نشاطًا مكثفًا من قبل المشاهير يحاولون نقل رسالة الإمام الحسين (عليه السلام) من خلال مشاركاتهم، يتناولون هذا الحدث بطرق متباينة.
ونحن جميعاً نعلم ان في عالم اليوم يلعب المؤثرون دورًا كبيرًا في تشكيل الرأي العام ونشر الوعي حول القضايا المختلفة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هؤلاء المؤثرون ينقلون جوهر القضية الحسينية بحق، أم يستغلونها لأغراض شخصية وتجارية؟
منذ واقعة الطف وعبر العصور المختلفة، يلعب الاعلام دورًا بارزًا في نقل وتشكيل فهم الناس لقضية الثورة الحسينية هذا الدور الإعلامي يمكن تقسيمه إلى إيجابي وسلبي، وكل منهما له تأثيرات ملحوظة على كيفية فهم واستيعاب الجمهور للقضية الحسينية.
في وقتنا الحالي وعبر منصات السوشيال ميديا، يظهر العديد من المشاهير الذين يتناولون موضوع الإمام الحسين (عليه السلام) بطرق متنوعة.
هناك فئة من المؤثرين الذين يستخدمون منصاتهم لنقل جوهر القضية الحسينية بصدق وإخلاص. هؤلاء المؤثرون غالبًا ما يكون لديهم فهم عميق لتفاصيل وأحداث كربلاء، ويسعون لنشر قيم العدالة والتضحية والشجاعة التي تمثلها هذه القضية. يتميز هؤلاء بقدرتهم على تقديم محتوى يعبر عن معاني الثورة الحسينية، سواء كان ذلك من خلال المقالات، الفيديوهات، المحاضرات، أو حتى الفعاليات المجتمعية.
على الجانب الاخر، هناك فئة من المؤثرين الذين يستغلون القضية الحسينية لتحقيق مكاسب شخصية أو تجارية. حيث يقومون بنشر محتوى دعائي لا يرتبط بجوهر القضية الحسينية. يستخدم هؤلاء المشاهير هذه المناسبة لجذب الانتباه وزيادة عدد المتابعين، مما يؤدي إلى تشويه صورة الإمام الحسين (عليه السلام) وتحويله إلى مجرد وسيلة لتحقيق الشهرة والمال دون أن يكون لديهم نية حقيقية في نشر الفهم العميق أو القيم الحقيقية للقضية الحسينية. يمكن أن يظهر هذا النوع من الاستغلال في العديد من الأشكال، مثل بيع منتجات ذات صلة بالقضية الحسينية لتحقيق أرباح، أو تنظيم فعاليات تجارية تحت غطاء إحياء ذكرى عاشوراء. هذا النوع من الاستغلال لا يسيء فقط للإمام الحسين (عليه السلام)، بل يشوه فهم الناس للمناسبة ويقلل من قيمتها.
قصة الامام الحسين (عليه السلام) ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي درس عميق يحمل في طياته قيم العدالة والحرية والشجاعة. فعندما نتحدث عن قضية الثورة الحسينية في عصر السوشيال ميديا، يتطلب منا نقل هذه القيم إلى الأجيال الحالية بطريقة تليق بمكانته. ونرتقي بمستوى المحتوى الذي نقدمه، ونحافظ على روح الثورة الحسينية بعيدًا عن الاستغلال التجاري.
ايضاً المتابعون يلعبون دورًا كبيرًا في مواجهة هذا التشويه. من خلال التفاعل النقدي والبناء مع المحتوى المنشور، يمكنهم توجيه المؤثرين نحو احترام الذكرى وتقديم محتوى يليق بالمناسبة. يجب أن نكون واعين بما نتابعه وندعمه، ونشجع على نشر الوعي الحقيقي حول قضية الحسين (عليه السلام).
الإمام الحسين (عليه السلام) وقضيته لا تقتصر على وقت معين أو موسم محدد؛ بل هي قضية تحمل في طياتها معاني عظيمة من التضحية، والشجاعة، والوقوف في وجه الظلم.
إن تناول هذه القضية لا يجب أن يكون لمجرد ركوب موجة الترند أو تحقيق الشهرة المؤقتة، بل ينبغي أن يكون نابعًا من التزام حقيقي بمنهجه وسيرته. إن من يتحدث عن الإمام الحسين (عليه السلام) يجب أن يعكس في سلوكه وقيمه مبادئ هذه القضية السامية طوال العام، وأن يسعى لنشر روح العدالة والتضحية والإخلاص التي تمثلها.
القضية الحسينية ليست مجرد مناسبة لإقامة المآتم والشعائر، بل هي منهج حياة يجب علينا الالتزام به وتطبيقه في جميع جوانب حياتنا. التمسك بنهج الإمام الحسين (عليه السلام) يعني التزامنا بالقيم الأخلاقية والدينية التي عاش من أجلها واستشهد في سبيلها، وهو ما يعزز من مكانتنا الروحية والاجتماعية ويحقق العدالة والإصلاح في مجتمعنا.
لذلك، ينبغي علينا أن نكرس أنفسنا ليس فقط لإقامة المآتم والفعاليات في ذكرى عاشوراء، ولكن لنعيش معانيها وقيمها في كل يوم من أيام حياتنا، مجسدين بذلك رسالة الإمام الحسين (عليه السلام) في أفعالنا وأقوالنا، دعونا نتحد جميعًا لنرتقي بمستوى المحتوى على السوشيال ميديا، ونحافظ على روح الإمام الحسين (عليه السلام) وقيمه السامية، محافظين على الإرث الديني والأخلاقي العظيم الذي لا يزال يلهم الأجيال حتى اليوم.
اضافةتعليق
التعليقات