مع بزوغ الشهر الفضيل تبدأ رحلتنا في موروثنا الشيعي مع مجموعة من الأدعية التي إن لم نقرأها فنحن نسمعها في الغالب، في ثقافة الدعاء مجموعة من الرسائل إلى العقل اللاواعي لتعيد برمجة الانسان فلا يقتصر الدعاء على قضاء الحوائج فقط بل يستطيع أن يغير الفرد والمجتمع فضلا عن تثبيت أصول الدين وتدعيم عقائد الانسان وغيرها من الدروس الأخلاقية ومن هذه الأدعية دعاء الجوشن الصغير.
فبينما تُخرجنا الحياة الافتراضية لمشاهير مواقع التواصل من دائرة الرضا وترينا وجها من حياة الترف التي نتمنى أن نحظى بها ثم نُعلن ثورة على حياتنا البائسة مقارنة بحياتهم الظاهرية ثم تخالجنا جملة (وماذا نمتلك؟) التي ننسف فيها كلَّ النعم الماثلة أمامنا أو غيرها التي دفعها الله عنّا، يأتي دعاء الجوشن الصغير ليرينا تفاصيل من النعم لم نلتفت لها ومع كل نعمة تُذكر في الدعاء تتكرر عبارة (وَاجعَلني لِنَعمائِكَ مِنَ الشَّاكِرينَ وَلآلائِكَ مِنَ الذَّاكِرينَ) ذِكرُ هذه النعم يعيدك في الغالب إلى دائرة الرضا التي من خلالها تستطيع أن تشعر بالسلام الداخلي من جانب ومن جانب آخر تعمل على تغيير حياتك بخطوات مندفعة فإن اليأس وعدم الرضا يرميك في زاوية الكسل فلا تتقدم في حياتك.
فعن تفاصيل نعمة الصحة يذكر في الدعاء (إِلهِي وَكَمْ مِنْ عَبْدٍ أَمْسى وَأَصْبَحَ سَقِيماً مُوجِعاً فِي أَنَّةٍ وَعَوِيلٍ يَتَقَلَّبُ فِي غَمِّهِ لا يَجِد لا مَحِيصاً وَلا يُسِيغُ طَعاماً وَلا شَراباً وَأَنا فِي صِحَّةٍ مِنَ البَدَنِ وَسَلامَةً مِنَ العَيْشِ كُلُّ ذلِكَ مِنْكَ).
ونعمة الأمان (إِلهِي وَكَم مِنْ عَبْدٍ أَمْسى وَأَصْبَحَ يُقاسِي الحَرْبَ وَمُباشَرَةَ القِتالِ بِنَفْسِهِ قَدْ غَشِيَتْهُ الأَعْداء مِنْ كُلِّ جانِبٍ بِالسُّيُوفِ وَالرِّماحِ وَآلَةِ الحَرْبِ، يَتَقَعْقَعُ فِي الحَدِيدِ قَدْ بَلَغَ مَجْهُودَهُ لا يَعْرِفُ حِيلَةً، وَلا يَجِدُ مَهْرَباً قَدْ أُدْنِفَ بِالجِراحاتِ، وَمُتَشَحِّطاً بِدَمِهِ تَحْتَ السَّنابِكِ وَالأَرْجُلِ، يَتَمَنَّى شُرْبَةً مِنْ ماءٍ أَوْ نَظْرَةً إِلى أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ لا يَقْدِرُ عَلَيْها، وَأَنا فِي عافِيَةٍ مِنْ ذلِكَ كُلِّهِ).
ونعمة الشباب (مَوْلايَ وَسَيِّدِي وَكَمْ مِنْ عَبدٍ أَمْسى وَأَصْبَحَ وَقَدْ دَنا يَوْمُهُ مِنْ حَتْفِهِ، وَأَحْدَقَ بِهِ مَلَكُ المَوْتِ فِي أَعْوانِهِ يُعالِجُ سَكَراتِ المَوْتِ وَحِياضَهُ، تَدُورُ عَيْناهُ يَمِينا وَشِمالاً يَنْظُرُ إِلى أَحِبّائِهِ وَأَوِدَّائِهِ وَأَخِلائِهِ قَدْ مُنِعَ مِنَ الكَلامِ، وَحُجِبَ عَنِ الخِطابِ، يَنْظُرُ إِلى نَفْسِه حَسْرَةً لايَسْتَطِيعُ لَها ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَأَنا خِلْوٌ مِنْ ذلِكَ كُلِّهِ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ).
وغيرها من النعم التي يلخصها الدعاء فتمد الفرد بنعمة (الحمد) وتحقق توازنه الداخلي المتمثل بالقناعة، فتركيز الفرد على كل ما هو مادي يسلبه سلامه ويقيده بكل ما موجود بأيدي الناس فتراه ما إن يُحرم شيئا بسيطا ينبذ كل ما لديه من نعم، فيروح مأسورا بالقشور ويضيع لديه المعنى فيجد جدوى حياته متعلقا بما يأكل ويلبس، هذا السجن الذي يرفه فيه جسده ويقيد روحه سيرميه مطروح الذات، وعلى نقيضه من يسلح روحه بما يحتاجه فهو يعيش موازنة بين الجسد والروح بعيدا عن صراع المادة.
اضافةتعليق
التعليقات