استحلت حركة الوعي في قرننا الحالي ومنتصف القرن السابق نفوذاً ملكياً بين مجالات الحياة المختلفة، والتي شكّلت بدورها ثورة يُناصرها ذوي المادّة والمعنى على حدٍّ سواء مما أهداها الوجود المتجدد والواسع بين المجتمعات البشرية، ولقد استبطنت تلك الحركة جذوراً تعود أصولها إلى عصور ما قبل الميلاد والتي كانت تترنح بين مسميات مختلفة منها: "المعرفة العامة"، "القصدية" و"التجربة الظاهراتية" وغيرها من المسميات التي تخلخلت على أوتار الإلمام بهذا المجال حتى استقرت أخيراً على مصطلح الوعي.
ومن أبسط تعريفات الوعي هو: إدراك الذات بالذات والإحاطة بتأثير الخارج على الداخل والعكس صحيح، ولم تكن سهولة هذا التعريف إلا نتيجة لعملية معقدة فسرتّها الديانات المختلفة برؤى مختلفة على مَدّ العصور، وما كان للغرب إلا أن يقولب هذا المفهوم ضمن إطارات جديدة تتقلص فيها المفاهيم الدينية ضمن بعض المدارس الفكرية التي تبنت ذلك، وكما هو المعتاد فقد اشترى المشرق نتاج حصاد كان قد زُرع في أرضهِ وبيعَ عليه.. فقد تضمنت السنوات الأخيرة حفنة من رعاة الوعي الذين تعددوا بتعدد مدارسهم ومعتقداتهم الشعورية منها والفكرية مما مهدّ لهم طريق التأثير في الذهن المجتمعي بتفاوتٍ يتبع لتفاوت طبقاتهِ، ونتج عنه أتباعاً واعين أو غير واعين للناطقين باسم الوعي.
لم تشكل هذه الحركة فارقاً شاذاً عن قاعدة البرمجة الذهنية التي يخضع لها الناس على مدار الساعة بل ربما كانت على قدر من الفائدة مما أغنى النفس البشرية على نطاق كل الأجساد؛ المادية أولها والأثيرية في ختامها، فلم يكن موضوعها الحقيقي إلا نوراً يتولى ضياء الماضي والحاضر إن استخدم بطريقة حكيمة، ولكن هل يمكن أن يكونَ هذا الوعي على قَدرٍ من عدمه؟ وهل يمكن لدعاة الوعي أن يصطدموا بجدار التضليل مما ينسيهم أداة الحكمة؟ وكيف يمكن أن يؤثر هؤلاء المتشتتين على أتباعهم.. أبالعقل الواعي أم بغيرهِ؟
شهدت مواقع التوصل الاجتماعي في الأشهر الأخيرة نهضة بمسمى غريب ترتدي بزة المنطق بنظر الناهضين بها وتتربع على عرش اللاوعي في المرتبة الأولى ليتسرب فيما بعد بسلاسة غريبة إلى العقل الواعي ويكون عقيدة راسخة يُجهل مصدرها، وهي نهضة (دحض الموروث الديني) التي آلت بالكثير من المجتمع إلى التشتت الذهني والذي نتج عنه مسمى "الدين المتجدد" أو "الدين الواعي" كما يزعم الكثير منهم، ومما اشتملت عليه بوادر هذا الدين هو ظاهرة خلع الحجاب لعدد لا بأس بهِ من رائدات هذه النهضة زاعمين بأنهم لم يتفقهوا عن الحجاب بما فيه الكفاية لارتدائه وإنما كان فرضاً في الطفولة لا مفر منه.
وأردف آخرون بأن الحجاب قد فُرض على أعين الرجال ولا يجب على النساء أن يتقيدن بموروثٍ لا صحة لتفسيره، وقد تعددت التبريرات التي اعُتبرت واقعية للغافلين والبسطاء وأشعلت في نفوسهم فتيل التمرّد على تعاليم السماء .
لا يمكن النكران بأن السنن الدينية قد تتعارض في التفسير من مذهب إلى آخر ومن طائفة إلى أخرى تبعاً للأسانيد التي سبرت غور التاريخ ووصلت إلى أيدينا عبر الدواة والقلم، ولكنَّ الحكم الإلهي لا اختلاف فيه لأنهُ حديثُ فطرة بل لغةٌ واضحةٌ لمن يريدُ القراءة الحقّة، فأصل الحكم لا تفسير يشرّعه ولا يُنفى بين المذاهب مطلقاً مهما اختلفت في غيره، وهذا ما أحجمت عن ذكره ربائب الوعي المدسوس لدحض أي فكرة من الممكن أن تربط الوعي بوصلة دينية، ولكن قد اختصر القرآن الكريم هذا المنحى بآية واحدة: "قُل كُلٌّ يَعملُ على شَاكلَتِهِ " فشواكل المجتمع هي أوعيتهم الواعية واللاواعية.
اضافةتعليق
التعليقات