أخرجت مفتاحها من حقيبتها الفاخرة لتدخل بيتها الذي هو أقرب لكونه قصراً جلست على الأريكة تتأمل الهدوء الموحش والصمت القاتل يأكلها ندم شديد لانجرارها خلف موجة النسوية وشعار المرأة القوية المستقلة حتى بالفعل صارت كذلك سيدة مجتمع من الطراز الرفيع تحتل مركزاً مهماً في الدولة نتيجة الشهادات العليا التي حصلت عليها..
أخذت نفساً وقد شارفت على اطفاء شمعتها الثالثة والخمسين عاماً من النجاح الموحش فكرت في نفسها لو تزوجت في عمر الثلاثين بات عمر أولادها الآن ما يقارب العشرين عاماً تحتفل مع دفئ العائلة، أطفأت ضوء غرفتها واستسلمت لكوابيس الاكتئاب ومشاعر سن اليأس.
هذه حياة مجموعة من نساء العصر اللاتي انجرفن في موجة النسوية، ظاهرة هذا العصر التي غزت البلدان العربية في العقدين الأخيرين وظهرت عند الغرب في أواخر القرن التاسع عشر وكانت على أربعة مراحل ففي الموجة الأولى طالبت المرأة بحقها القانوني في التصويت، الاقتراع والعمل في ظروف أكثر احتراماً وعدالة.
الموجة الثانية كانت أكثر أهمية كونها تطالب بحق المرأة في العيش بسلام واتخاذ قوانين بحق العنف ضد المرأة كون التعنيف بحق المرأة في ذلك الوقت كان شديداً وقوياً.
الموجة الثالثة الأخطر هي المطالبة بالمساواة بين الجنسين وأن ما للرجل يجب أن يكون للمرأة وما عليه عليها وهذا ينافي المنطق والعقل والدين نتيجة الاختلافات الفسيولوجية بين الرجل والمرأة بمعنى هل يمكن للمرأة أن تعمل عامل بناء؟ وتحمل أوزان ثقيلة ويكون عليها اجهاد جسدي قوي مستمر قد يؤدي لتدهور صحتها وقد يحرمها من الانجاب؟ وهذا أقرب مثال لمن يطالب بالمساوة الظالمة للمرأة فالله عززها وكرمها ورفع من شأنها.
الموجة الرابعة الفتاكة بالمجتمع (النسوية أو المرأة القوية المستقلة) والتي تم ترويجها بشكل مرعب علماً أن هذه الموجة لها ثلاثة أهداف رئيسية (اقتصادية، مجتمعية، تخريبية):
أولاً: الهدف الاقتصادي هو جعل الأشخاص يعيشون لوحدهم في بيوت مستقلة فالمتزوجين سيحتاجون إلى بيت واحد، ثلاجة واحدة، طباخ واحد.. الخ، أما إذا تم فصلهم كل واحد منهم سيحتاج لبيت لوحده أي بمعنى ثلاجتين، طباخين وهكذا بالتالي انتاج وبيع ضعف الكمية المطلوبة وتحرك الأسواق العالمية لجميع المنتجات من الألف إلى الياء.
ثانيا: الهدف الاجتماعي هو تفكيك معنى الأسرة وانعدام شعور الأمان وزيادة المرض النفسي وبالتالي المرض الجسدي وحالياً يعتبر المرض هو مصدر ثروة لا تنضب، والتفكيك الأسري يجعل الأشخاص ينحرفون عن مسار الحياة القويم نحو المخدرات أو المهدئات فطبقاً لدراسات عديدة إن عيش الشخص لوحدة يجلب له الكثير من الأمراض مثل الاكتئاب، القلق، أمراض القلب بالتالي هذه يعتبر زبون في الطب بشكل عام والطب النفسي بشكل خاص وأسواق الأدوية النفسية.
ثالثاً: الهدف التخريبي وهو الانزياح عن الطبيعة البشرية التي خلقها الله (عز وجل) التي تنخر بالمجتمعات بطريقة مخيفة جداً ولا يسعنا ذكر تفاصيل عن هذا الموضوع لأنه يحتاج لكتب ومقالات لا تنتهي حول الآثار الاجتماعية والنفسية الناجمة عنها.
إن العيش في حياة أسرية مضطربة مع عدم ترسيخ فكرة القناعة تنتج فتاةً تجتاحها الرغبة في الهروب من هذه الحياة والاستقلال بنفسها، فالشابات بهدف تحقيق ذاتهم خسروا لذة الأمومة ودفء العائلة على حساب العيش في حياة ناجحة كانت قابلة للتأجيل والتحقيق فيما بعد، إن الدراسة والشهادات والمناصب الوظيفية تأتي في كل وقت لكن العمر الفسيولوجي للمرأة له نهاية محددة وهذا لا تعرفه أو تتغاضى عنه نساء العصر وطالبات الجامعة الذين يؤمنون بأن الحياة الخالية من زوج هي أجمل حياة نتيجة لتركيزهم على الزيجات الفاشلة فقط ونسب الطلاق المرتفعة نتيجة عدم فهم الزوجة مسؤولياتها إزاء الرجل وهذا ليس دفاعاً عن الرجل بل الحياة الزوجية تتطلب عدة سنوات لتكوين روابط متفاهمة صلبة وقوية فالتخبطات الحاصلة في الزواج طبيعية جداً وهي أقرب للتخبطات الحاصلة في الحياة العملية والعلمية فكم وظيفة نخسرها ويتم استبدالنا لوجود الأكفأ إذن الحياة قائمة على التخبطات لكن ما هي أولوياتي كسيدة أو شابة يجب أن أحددها وأعمل على هذا الأساس.
اضافة إلى أن المرأة خلقها الله حاملةً لكم هائل من المشاعر والعاطفة والحب فهذه طاقة جميلة ومريحة لو استثمرت مع الشخص الصحيح بالطريقة الصحيحة خاصة فترة الشباب أو فترة الجامعة تعيش الشابة مع كم هائل من الانفعالات البعض يسيطر عليها والآخر يستخدمها بالطريقة المحرمة على حساب الزواج الذي شرع به رب العالمين حيث قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، (الروم 21).
فالزواج سنة الله التي فطرنا عليها ومعنى السكينة الواردة في الآية الكريمة لها عدة تفاسير منها السكينة الروحية للعاطفة واستثمار مشاعر القلب في المكان الصحيح وبالحلال فـمهما كانت المرأة صلبة قوية لديها لحظة تنهار فيها وتحتاج لسند عاطفي ومعنوي لأن داخل كل امرأة طفلة صغيرة تحتاج للعناية وهذا واقع تعيشه كل امرأة ولابد لها الاقرار بذلك لذا من المهم الاعتراف بضرورة تكامل المرأة مع الرجل.
حالياً الغالبية العظمى من النساء ينقسمن إلى قسمين الفئة المستضعفة حد الظلم والقهر وهذا يمثل أمهاتنا الكبار فقد عشن حياة سيئة ومتعبة والفئة الأخرى هي التي تدعي القوة وتخطت حدود حقوقها ظناً منها أن هذا هو الصواب نتيجة غسيل المخ الحاصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي مقاطع الريلز علاوةً على التقليد الأعمى لحياة المشاهير دون توعية من الأهل أو احاطة الأهل بهذه الأفكار والمشكلة أن الفتاة التي تنجرف خلف هذا العالم لا تستطيع الرجوع بسهولة فالعمر ينقضي دونما رجعة كما أن الاستيعاب يأتي متأخراً.
فلو تأملنا في سنة الزواج لوجدنا أن الله الذي خلقنا وفق مبدأ الزوجية كان قادراً على خلقنا وفق مبدأ الفردية لكنه اتخذ الزوجية لحكمة تفوق قدراتنا العقلية على فهمها ومن حكمته أن نصنع مجتمعاً متآصراً متفاهماً متيناً وتكوين اللبنة الأساسية للعائلة فلو نظرنا للجانب المضيء من الزواج من خلال التركيز على الزوجات السعيدات أو العوائل الناجحة وهذا النجاح لا يأتي من فراغ إنما تفاهم وتعقل وتغاضي الذي يحتاج لجهد من الطرفين لكن النتيجة تستحق جداً فالعيش مع شخص تطمئن له وتسكن له روحك وتكوين أسرة وأطفال هي خطوة مهمة للراحة والطمأنينة.
اضافةتعليق
التعليقات