نمارس جميعاً عادة الاختلاء بالذات، فبين فترة وأخرى نمضي بعض الوقت منفردين، غير إننا قد نفعل ذلك بطريقة غير صحيحة فبدل ان نستعرض مع أنفسنا الذكريات الجميلة، نستعرض الذكريات المرة وبدل أن نتذكر ساعات الفرح نتذكّر ساعات الحزن، والأهم من كل ذلك أننا بدل أن نستعرض لحظات النجاح نستعرض لحظات الفشل وبذلك نزيد هماً إلى همومنا في الوقت الذي نستطيع أن نكون أصدقاء جيدين لأنفسنا، نُذكَّرها بكل خير، ونؤكد عليها ما تتمتَّع به من إمكانات وقدرات بدل أن نذكّرها بنواقصها..
إنك قد لا تكون قادراً على السفر، أو السباحة ولكنك قادر على ان تحلّق بخيالك إلى عوالم مليئة بالبهجة من دون ان تتحمل عناء ذلك.
حاول أن تقتطع من وقتك عشرين دقيقة كل يوم لتختلي لنفسك وسرعان ما تجد آثارها الإيجابية، خاصة إذا كنت ممن يتحمل مسؤولية اجتماعية حيث تحتاج الى لحظات هدوء وصفاء، فالراحة ضرورية لتجديد النشاط الجسدي في حين إن الاسترخاء لازم لنتعافى نفسياً من ذلك الشعور بالإرهاق الذي لا نستطيع زحزحته.
ومن المهم جداً في فترة الإخلاد الى النفس ان نوجّه أفكارنا إلى الجوانب المشرقة من الحياة وتذكّر حقيقتين:
الاولى: إن التفكير يشكل أرضية الطمأنينة كما يشكل أرضية القلق فالراحة والاضطراب لهما أساس في الفكر ولذلك فنحن نمتلك مفتاح الضبط لتوجيه أنفسنا نحو ما نبتغيه.
الثانية: إنّه لا يمكن التفكير في الوقت الواحد إلاّ في شيء واحد فأما إن نفكّر فيما هو جميل ومطمئن أو نفكّر فيما هو قبيح ومُقزز.
إن الإخلاد إلى النفس من أفضل أنواع الترويح ولذلك يقول الإمام علي عليه السلام: ما أحقّ بالإنسان أن تكون له ساعة لا يشغله عنها شاغل.
ويقول: ملازمة الخلوة دأب الصلحاء.
إن الوحدة بالنسبة للأنسان ضرورية مثلما الأجتماع مع الأخرين ضروري وليس أحدهما بديلاً عن الآخر فكما إنَّ الصداقة مع الناس ضرورية كذلك الصداقة مع النفس وإذا كان الحصول على ما تصادقه ليس متوفراً دائماً فأن الإختلاء بالذات متوفر على الدوام.
ثم إن في الوحدة سواء جاءت قسرية أم أرادية عناصر إيجابية ومن تلك العناصر:
أولاً: الذاكرة
إن الإنسان يعيش حياة ممتدّة في الزمن والذاكرة هي وحدها التي تشدّ عناصرها المتباعدة بعضها إلى بعض فالوحدة تقوي الذاكرة والذكريات تقوّي لدينا حس الاستمرار متحدية الأنقطاع الذي يحدثه الإنخراط الدائم في الآخرين او يحدثه الحزن وعن هذه الذكريات ينشأ نوع جديد من الفهم..
إن الوحدة تمنحنا إدراكاً جديداً للآخرين وهذا قد يبدو مفارقة حين نسأل: ألا تعوقنا الوحدة عن إقامة علاقات صحيحة مع الآخرين؟
إن الأمر يبدو لي نقيض هذا، فالمتوحّد يقيم علاقات أفضل من سواه والسبب الاهم هو حاجته الى تلك العلاقات.
ثانياً: الحوار مع الذات
إن كل إنسان مجموعة ذوات في ذات واحدة ومجموعة عوالم في عالم واحد وهذه الذوات متناقضة أحياناً ولابدّ من فتح حوار فيما بينها وأي وقت افضل من الخلوة لذلك؟
إن مواجهة هذا الصراع هي التي تجعل المرء يدرك حقيقة مشاعره الغامضة ويجيب عن بعض الاسئلة المهمة من نوع: لماذا أفعل هذا عوضاً عن ذاك؟ ما المطلوب مني؟
عندما نكون محاطين بالناس تطفىء الأحاديث العادية الصغيرة جزءاً من بصيرتنا الفطرية، أما في وحدتنا فنحن مرغمون على الإصغاء الى الاسئلة التي تولّدها فينا التجربة أو تثيرها الفطرة.
ثالثاً: إكتشاف الهوية
الوحدة هي المناخ الذي تولد فيه هويتنا وفيه نتعلم أن نتغلب على مخاوفنا فالخوف من قيادة السيارة بمفردي والخوف من الظلام والخوف من ألا يحبني أحد بعد اليوم وغيرها لكن في النهاية يجب التغلب عليها جميعاً.
إن على المرء في وحدته خاصة عندما يواجه التقدم في السن أن يتكيف بسرعة وأن يتعلم أي إنسان هو؟ وماهي طاقاته؟
حقاً ان الوحدة جزء لا يتجزأ من تجربة النضج واذا أحسن المرء إستخدام وحدته أمكنه طرد ما كان يسد منافذ حياته وإلقاء النور على زوايا تجربته..
أخيراً لكي يأتي الاختلاء بالذات بمنافعه فلا بدّ من العمل بالوصايا التالية:
أولاً: غذّ نفسك بالمشاعر النبيلة
إن الانسان الذي يختلي بنفسه يجب أن لا يستسلم لمشاعر الشفقة على الذات والتباكي على المصائب، فالخطر الذي يواجه كل متوحّد هو ان تغدو مشاعره أهم ما في حياته فهو قد يرفض الآخرين طويلاً في أفكاره بدلاً من مواجهتم.
ثانياً: عمَّق حياتك
إن فضيلة الوحدة المميزة هي مساعدتنا على الإدراك واذا كانت قوة الحياة تأتي من الداخل فاذهب فوراً الى هناك وابدأ التأمل والصلاة وهناك فتّش عن الجوانب المضيئة التي أهملتها معظم حياتك.
ثالثاً: صادق نفسك
إن جل ما يحتاجه الفرد إلى تجربته في حالات الأختلاء بالذات هو أن يعيش مع نفسه بشجاعة وتواضع وفرح وبذلك ينسجم مع نفسه بدل ان يتناقض معها.
رابعاً: أجرِ مع نفسكَ حواراً إيجابياً
نحن جميعاً نجري مع أنفسنا حواراً ذاتياً ولكن معظم هذا الحوار سلبي دونما حاجة الى ان يكون كذلك، ولكن يجب ان تدرب نفسك على عدم إطلاق العنان لأفكارك السلبية فلماذا اليأس والغضب؟ ولماذا التفكير في سلبيات الحياة حين يمكنك التفكير في الأيجابيات ايضا؟
نحتاج بين فترة وأُخرى الى منح أنفسنا آخر ظهور من المجتمع والأختلاء مع ذاتنا لنزيل من كاهلنا تلك الاثقال المُتراكمة والتي أنهكتنا لنتعافى ثم نُجدد شحنها بالطاقة اللازمة لمواصلة المسيرة بنشاط وعزيمة..
الشطر الآخر والذي يعد مُكمل لشطر الاول ( الإختلاء الى الذات ) هو الاسترخاء..
فهو من وسائل الترويح عن النفس فبالإضافة إلى أنه لا يُكّلف شيئاً فإنه متوفر للجميع وفي كل وقت.
غير أن الاسترخاء مهما كان بسيطاً فهو ليس أمراً سهلاً خاصة عندما يكون المرء في حالة من الإثارة والانفعال.
ولهذا فإن الاسترخاء لن يعطي ثماره الا بشرطين:
الأول: أن تقوم به ليس من أجل رفع التوتر العصبي بعد حصوله فحسب بل كأمر روتيني لمنع حصوله أيضاً.
الثاني : أن نتدرب عليه
ومن هنا فضروري أن نتعرف على الأساليب المجربة في هذا المجال ونقوم بالتدرب عليها بين فترة وأخرى.
إن ضغوط الحياة اليومية تتطلّب منا الاسترخاء بشكل منتظم لتخفيف الشعور بالإنهماك قبل حصوله كما تتطلّب التمتّع بالاضافة الى ذلك بالقدر المريح الناجم من إراحة الفكر والعضلات من التوتر والضغط العصبي.
اضافةتعليق
التعليقات