كثرة المشكلات الزوجية ينغص الحياة الهانئة الوديعة وتمنع من التواصل الإيجابي، وعندما يحنق الشريكان على بعضهما ويحمل كل منهما الضغينة على الآخر فلا مكان ولا محل لأي مشاعر إيجابية يمكن أن تتدفق بشكل عفوي من قلبٍ منشرح، فالمشاعر الإيجابية لا تتدفق في أتون المشكلات بل ربما تفجّرت مشاعر الغضب المدمّر الذي لا يُبقي ولا يذر بقايا من حب ومودة.
إنّ تبادل المشاعر الإيجابية الصادقة بحاجة إلى بيئة زوجية خالية من العقد والمشكلات. فالأزهار الجميلة لا تنبت في الصخور الحجرية، والورود الفواحة لا تبقى وسط عواصف الغضب الهوجاء، والكلمات الرقراقة لا تتدفق من قلوب صدئة والمشاعر الطيبة لا تخرج من نفوس مشحونة!
الاستبداد التربوي
تؤثر التربية الأسرية في صياغة شخصية الأبناء ذكوراً وإناثاً، فكلما كانت الوسائل والأساليب التربوية سليمة منسجمة مع القواعد والمفاهيم الإسلامية - التي تحرص على الاعتدال والتوازن في بناء المفاهيم والأفكار - كلما حققنا نجاحاً متميزاً في صياغة الشخصية المتوازنة بعيداً عن الاضطرابات السلوكية.
كما أن الاستبداد في التربية والغلظة في التنشئة الأسرية وقمع آراء وأفكار الأبناء يولِّد إطراباً في نفوسهم وخوفاً شديداً في أعماقهم، وعندما يتراكم القمع والقسوة يتحول مع الأيام إلى خوف مرضي، يمتنع معه الأبناء من البوح بآرائهم والتعبير عما يجيش في داخل نفوسهم، وقد يصل الأمر إلى أن يتحول الأبناء ضحايا القهر والقمع إلى أحجار صمّاء لا قلوب لها، وإلى تماثيل بلا أحاسيس، فالقمع في كثير من الحالات يتغلغل إلى أعماق النفوس فيدمّر مشاعرها، ويدفن أحاسيسها، ويقمع رغبتها في التعبير عما يختلج فيها من مشاعر وأحاسيس، ويصيّرها مترددة مضطربة إلى أبعد الحدود.
وعندما يكبر الإنسان تكبر معه آفاته وأمراضه وعقده، وقد تستمر إلى عمر مديد إذا لم يتمكن من ملاحظتها ومقاومتها والتغلب عليها، والسيطرة على آثارها.
إننا بحاجة إلى تربية متوازنة بعيداً عن الاستبداد والقسوة تتيح للأبناء التعبير عن آرائهم بحرية، وتشجعهم على البوح بما يشعرون به وما يحتاجونه، ما يكرهونه وما يحبونه، وما يغضبهم وما يفرحهم... ولو كان ذلك نقداً موجهاً للآباء، فإنّ ذلك يساعد الأبناء على تفريغ شُحناتهم العاطفية المتمركزة في نفوسهم، فتخف بذلك اندفاعاتهم العاطفية، وتهدأ أفئدتهم، وتسكن نفوسهم، ومن جانب آخر يتعرف الآباء على طريقة تفكير الأبناء، واستيعاب مشكلاتهم.
إن انفتاح الآباء على أبنائهم ببساطة بعيداً عن التخويف والترهيب يشجّع الأبناء على التعبير عما يجول في نفوسهم، ومع مرور الأيام تصبح عادة حسنة يمارسونها بتوازن، ويعبّرون عن مشاعرهم باحترام ولباقة للآخرين وخصوصاً مع الشريك الزوجي، ومن هنا فإن الأبوين يساهمان بشكل أو بآخر بإعداد الأبناء من الجنسين لحياة أسرية ما.
اضافةتعليق
التعليقات