إن أقسى شعور نمر به هو الفقد، فحينما وصلني نبأ وفاة أمي أصبح عقلي فارغا كصفحة بيضاء توارت المشاعر خلف قضبان الصمت إلى أن دلفت إلى المغتسل للمرة الأولى لغسل جثمانها حيث رفضت تغسيلها المسؤولة عن ذلك لكونها فارقت الحياة على أثر لعنة وباء كورونا، كنت كلما أسكب الماء على وجهها المشرق لغسله يتملكني الفزع خشية أن تختنق من الماء فأهرع إلى مسحه بكم ثوبي لأتذكر أن روحها قد فارقت الحياة وهي لا تشعر بشيء، كانت لحظات قاسية تفجع القلب وتدميه لا أذكر كيف تجاوزت ذلك اليوم وأنا أسير خلف نعشها الذي حمل على الأكتاف ثم هويت على الأرض جالسة أنتظر أن يجهز قبرها لتتورى به إلى الأبد لتختفي ملامح وجهها تحت التراب وتذوب.
اتشحت بالسواد الذي لم أكن أرتديه إلا في شهري محرم وصفر على الحسين وأهل بيته (عليهم السلام) وهنا تذكرت مصيبة السيدة زينب(عليها السلام) فقد سرت أنا خلف جثمان أمي وهي تحمل بنعش أما عقيلة الطالبيين سارت مع الضعن أسيرة وهي تشاهد رؤوس اخوتها وبنيها وأبناء عمومتها على أسنة الرماح (سلام الله عليهم) تاركة خلفها أجسادهم على الرمضاء في ظهيرة عاشوراء دون قبور تواريهم بها لأيام بلياليها فأي صبر تجرعه قلبها.
فكانت خير مثال أتأسى به في محنتي التي لا تمثل شيء أمام ما قاسته بطلة كربلاء.
هذا ما سردته لنا السيدة أم مؤمل وكيف كانت حرائر الحسين (عليهم السلام) خير من تتأسى بهن في محنتها.
(بشرى حياة) تنقلنا اليوم في جولة استطلاعية حول التأسي بحرائر الحسين (عليه السلام)....
عريس الطفوف
فيما اعتادت الحاجة أم عبد الله أن تلتحق بالزائرات في الليلة الثامنة من محرم الحرام لأنها تكون للشباب إذ تنفرد بليلة عريس الطفوف القاسم بن الحسن (عليهما السلام) حيث تستذكر ابنها الشهيد الذي لبى نداء الجهاد تاركا خلفه عروسه وأمه التي تلقت نبأ شهادته بالزغاريد والدموع، فقد كانت تستذكر ابنها بمراسيم عزاء شهادة ابن الامام الحسن (عليه السلام ) وهي تتجلد بالصبر الذي توشحت به والدته السيدة رملة (رضي الله عنها).
طيور الجنة
من جانب آخر حدثتنا أم رقية قائلة: رزقني الله عز وجل بالذرية بعد سنوات طويلة من الانتظار فكانت رقية فرحتي الأولى وعلي هو الطفل الثاني الذي فارق الحياة بعمر ثمانية شهور فقد ولد وهو يحمل مرضا عضالا (فتحة في القلب) اللحظة التي فارق ابني بها الحياة كان في حجري كنت أشعر بجسده النحيل وهو يبرد تدريجيا بعد أن غادرت روحه الجسد دوت صرختي دون شعور، وأكثر ما كان يوجع قلبي حينما يدر صدري بالحليب وهو ليس في حجري.
وتابعت: أقمت مجلس عزاء في بيتي واختارت القارئة أن يكون فحوى المجلس عن عبد الله الرضيع ابن الامام الحسين (عليهما السلام) وكانت تنصحني أن أتجمل بالصبر فقد أصبح صغيري طير من طيور الجنة ينتظر حضوري إليه في يوم المحشر، منحني ذلك العزاء القوة لتخطي هول مصيبتي والتآسي بمصيبة السيدة رباب (رضي الله عنها) بعدما حملت رضيعها مذبوحا بسهم في منحره فقسوة ذلك المشهد تفجع الفؤاد مهما حمل من القوة والصبر، لربما كانت رسالة الحسين (عليه السلام) في خروج أهل بيته وعياله من النساء والأطفال هو أن نشعر نحن شيعته بما قاسوه وأن نضع أنفسنا في مقارنه لا تستحق الذكر فيما مروا به من ألم المصاب في واقعة عاشوراء.
ختمت حديثها: السلام على حرائر الامام الحسين (عليه السلام) وساعد الله قلوبهن جميعا على ما مررنه به.
حرائر أهل البيت
تناولت قضية عاشوراء العديد من الأدوار لكل فرد شارك بها فكان للنساء دور مؤثر وعلى رأسهن العقيلة زينب(عليها السلام) فحينما دخلت أسيرة في مجلس ابن زياد أدت رسالتها على أكمل وجه في القاء خطبتها المعروفة والتي كان لها أثرا كبيرا في استفزازه والزامه الصمت خوفًا من الفتنة وذلك لصدق ما تناولته.
وفي الكوفة أيضاً برز دور حرائر آلـ البيت، فقد برزت أم كلثوم بنت أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) تخاطب المتخاذلين عن نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) وقد رأت دموع التماسيح في أعينهم، فبعد أن أومأت إلى الناس أنْ اسكتوا، فلما سكنت الأنفاس وهدأت الأجراس ألقت عليهم خطبة بليغة توضح فيها مدى مكرهم وغدرهم لآل بيت النبي محمد(ص).
كما كانت لباقي الحرائر أدوارا متنوعة لا يسع للمقام ذكرها إنما تركن رسالة للسيدة الفاضلة التي تؤدي دورها دون تقاعس وفق تعاليم ديننا لتكون قدوة يحتذى بها ويتأسى بمصابها في الذكر من السيدات المؤمنات فقد كُن خير من يحملن عبق هذه الرسالة المحمدية المختومة بالقضية الحسينية.
اضافةتعليق
التعليقات