فزت ورب الكعبة، نداء الذبيح الذي غسل ذنب التاريخ وعار خطيئة الأجيال بدمه المبارك، وأحيا المساجد بنداء الفوز والتهليل.. وقد جعل السجود والتضرع عنوانا ملازما بالتضحية، لتذوب النواصي وتعترف بتقصيرها .
إلى عمق الحقائق نرحل لنعيش أجواء الفقد، واليوم كتاب الشهادة حزين على مفارقات الحدث يبكي على همساته المكلومة، يذرف دموع الندم على من شاركه الوجود وكل الحياة .
يعز على حرف المواساة أن يبرمج البوح إلى واقع وأن يكتب بنبضه مدى اشتياق الدمع إلى حجره ..محاكاة لا تنتهي، ويقف الأسف تحسرا في شكواه على إمامه وشفيعه يوم مثوله حصن القيامه، بيته ومسجده في أوان قتله ..
نحتاج إلى ترميم الذات، وإشباع الذهن من علمه، نتبع الفضيلة حتى دارها، لنستفيق من خسران وجدها الدافئ.. إن كانت عصا موسى غصن كفاح وحجة، فالمرتضى ألقى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون.. فكل الأنبياء والرسل بأمره يأتمرون، وولايته يشهدون .
السلام عليك يا يعسوب الدين .. أيامنا عصيبة ، والذكر أنت ، وأرواحنا بلغت التراقي وقيل من راق ، أنه فقد الثبات ، وقدم العز في دين الله ، واقتربت الساعة وانشق القمر ..
(أمالي الطوسي: بإسناد أخي دعبل عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) قال: خطب الناس أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكوفة فقال: معاشر الناس إن الحق قد غلبه الباطل، وليغلبن الباطل عما قليل، أين أشقاكم - أو قال: شقيكم، فوالله ليضربن هذه فليخضبنها من هذه - وأشار بيده إلى هامته ولحيته ).
يا أمير المؤمنين ، اليوم قامات قد هددت وأحقاد أسست ، ومنارات جُددت في عزائك لأخذ الثأر حقيق على التدوين أن لا يقول على الله إلا الحق…
إنها بينة على صاحبة الأفك أن ينزع الله منها ما كسبت . فوقع الحق وبطل ماكانوا يعملون …
في عيون أخبار الرضا ، قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ (عليهِ السَّلام ): فَقُمتُ فَقُلتُ : يَا رَسُولَ الله ! مَا أَفضَلُ الأَعمَالِ فِي هَذَا الشَّهرِ؟
فَقَالَ : يَا أَبَا الحَسَنِ ! أَفضَلُ الأَعمَالِ فِي هَذَا الشَّهرِ : الوَرَعُ عَن مَحَارِمِ الله عزَّ وجلَّ ثمُّ بكئ فقلتُ :يَا رسولَ اللهِ ما يبُكيكَ ؟ فقالَ : يَا علي أبكي لما يُستَحَلُ منكَ في هذا الشهرِ كأنّي بِكَ وأنتَ تُصلّي لربِّكَ وَ قَد انبعثَ أشقى الأوَّلينَ و الآخرينَ شقيقُ عاقرِ ناقةِ صَالحٍ فضَرَبَكَ ضربةً على قرنِكَ فخضبَ منها لحيتَك .
قالَ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السَّلامُ: فقلتُ :
يَا رسولَ اللهِ وذلكَ في سلامةٍ من ديني؟
فقالَ صلّى اللهُ عليه وآله: في سلامةٍ من دينِك فأنت المنّة على المؤمنين والسلوى بقلوبهم إلى حين قيامة الدين… ( يا أبانا استغفر لنا إنّا كنا خاطئين ).
نعم يا أبانا ، استغفر لنا غفلتنا عن نصرة الحق وايذاع كلمة الصدق وحفظ ميراث المعرفة ومسؤولية التجلي لمنبرك، فأي ماتقصير في ساحة القداسة بحقك، يكتب محروما من رحمة الله، فلا تحرمنا شفاعتك (ياعلي أنا وأنت أبوا هذه الأمة )..
ونعم الأب أنت ياعلي، فأي غاشية تفرينا وتنزل علينا بلائها إلا وجدناك ياعلي حاميا، أنت الغياث وباب الله وعينه الناظرة، لأنك مظهر العجائب.
(كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة: بإسناده المتصل إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام): وهو ساجد يبكي حتى علا نحيبه وارتفع صوته بالبكاء، فقلنا: يا أمير المؤمنين لقد أمرضنا بكاؤك وأمضنا وشجانا. وما رأيناك قد فعلت مثل هذا الفعل قط، فقال كنت ساجدا أدعو ربي بدعاء الخيرات في سجدتي، فغلبني عيني فرأيت رؤيا هالتني وفظعتني، رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائما وهو يقول: يا أبا الحسن طالت غيبتك، فقد اشتقت إلى رؤياك، وقد أنجز لي ربي ما وعدني فيك، فقلت:
يا رسول الله وما الذي أنجز لك في؟ قال أنجز لي فيك وفي زوجتك وابنيك وذريتك في الدرجات العلى في عليين، قلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله فشيعتنا، قال:شيعتنا معنا، وقصورهم بحذاء قصورنا، ومنازلهم مقابل منازلنا، قلت: يا رسول الله فما لشيعتنا في الدنيا؟ قال: الأمن والعافية، قلت: فما لهم عند الموت؟
قال: يحكم الرجل في نفسه ويؤمر ملك الموت بطاعته، قلت: فما لذلك حد يعرف؟
قال: بلى إن أشد شيعتنا لنا حبا يكون خروج نفسه كشراب أحدكم في يوم الصيف الماء البارد الذي ينتقع به القلوب، وإن سائرهم ليموت كما يغبط أحدكم على فراشه كأقر ما كانت عينه بموته).
شاء الله سبحانه أن تكون للقدرة تقدير اجتماع ليلة القدر بيوم قتلك وهو قَسمك، فلولا فوزك ماكان قدرا لشيعتك فغسول ذنوبنا مرهون بولايتك في البكاء عليك يوم فوزك بالشهادة .
(فلا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وماولد ).... إنه لقسم عظيم نحن عنه غافلون ..
(تهدمت والله أركان الهدى) هو هتاف لكل الأجيال لأنك أنت الهدى وركن الوجود وعامود التكوين، هتاف يصرخ في صلب الآباء، لِتَهُب الأبناء لأجله، وأشهد أن عليا ولي الله ، ركن التوحيد واذعان الصلاة .. ولك صرخة أخرى وصيحة نبأ في ليلة حزن الشريعة على مصابك هي ليلة القدر، وظهور من سيأخذ بحقك.
الإيمان بك ياعلي يجعل الحياة لها روح ومعنى ، تنهار تحت قدميها أساور التهديد، وخوف المجازفة لأنك الإيمان كله (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)..
فالذكر لا يكتمل إلا بطيب كلامك وبلاغة حرفك، وسمو تفويضك، ولقد مهدت لكل العلوم فرج لايعقبه حلم زائف، وأسرجت للمعرفة نورا تحمله آباء العلم والدين، فأنت الطمأنينة في القلوب (ألا بذكر الله تطمئن القلوب ).
في عالم الرحمة ، كافأك الله بقرينة فاطرة ، فكنت أنت الكفوء الذي لا يوجد له بديل أو نظير ، فأيدك بليلة القدر فاطمة أم ابيها ، واجتمع الودّان في ليلة أنزلها الله ، لتكونا للعالمين ذكرا مبينا، وحتى تكتمل فكرة الولاية ، جعل الله سبحانه قبول الأعمال وإدراج التقدير للعباد منوط بالسجود لكم آل البيت .. والقرآن شاهد ومشهود أن جمع أسمائكم وصفاتكم فيه وكنتم أقوى الحجج التي احتج الله بكم عباده، ورفعكم مكانا عليا فلا اعتبار لكتابه لولا حضوركم بين تجليات آياته فأنت ياعلي وآل بيتك ميزانا وموازنة لكل خطوة نخطوها وقبلة نرجوها فأنت المنهاج ومن عنده علم الكتاب، لأنك أنت المدد والسداد.
فكيف لا تكون ذِكرا، بل يفتخر بك كل الكتاب، وكيف لا تكون شكرا وأنت فيصل المحراب، ألا يكفي أن دارت على ذكرك القرون الأولى ، كانت روحك شاهدة ، والعقول شاخصة حضورك ، لأنك الفيض وكل النورانية .
في صلب الحديث ، يتباهى المؤمن بقولك ، ويكتب الله لمن ذكر مآثرك نجاة من النار وفوزا بالجنة ..علمك ياعلي، خزينة طويت لها المكارم ، فأصبحت في خدمتك ، لولاك ياعلي لم ولا يعرف المؤمن ، ولا يفرز حق من قائل ، لأنك أنت النقطة في بسم الله، فلا اكتمال رؤية في محظر التجلي دون الاقتران بك لأنك أنت شرطها وشروطها ودوام تحصيلها ..
فسلامة الدين عهد يرتبط إلزاما باتباع قولك وفعلك ، وقيمومة ذكرك أنزيم فكر وغذاء للروح لا يستغنى عنه في مراحل المسير وما أنت إلا ذكر للعالمين…. في ذكرك تحفظ القلوب من الصدأ ، ويطول عمر العلم ومآثره فعاقبة الدار ابتدأت بك وتنتهي بإسمك ، وكل اللعنات على من عاداك وقتلك وآذاى أهل بيتك وسيعلم الكفار لمن عقبة الدار …
اضافةتعليق
التعليقات