تسبيح فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) ليس ذكرا فحسب بل هو طريق تربوي موجود في سيرة أهل البيت (عليهم السلام) وأمرونا بها، وهذا ما استفدناه في مقال سابق من رواية الامام الصاىق (عليه السلام) التي تقول: «يَا أَبَا هَارُونَ إِنَّا نَأْمُرُ صِبْيَانَنَا بِتَسْبِيحِ فَاطِمَةَ (سلام الله عليها) كَمَا نَأْمُرُهُمْ بِالصَّلَاةِ فَالْزَمْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ عَبْدٌ فَشَقِيَ.»[1] فما هو أثر التربوي لهذه السبحة المباركة؟ وكيف ستضمن تربية صالحة وضمان صلاح الأولاد في مستقبل حياتهم؟
أشرنا في المقال السابق إلى بعض هذه الآثار:
أولاً: بما أن الأمر موجه إلى (صبياننا) فإننا نستطيع الاستفادة من هذه الطريقة منذ الولادة حتى المراهقة، ثانياً: الأطفال عندما يولدون عقلهم يكون بصورة لا واعية أما بعد ثلاث سنوات فالضمير الواعي يتشكل شيئاً فشيئاً، واللاوعي في الطفولة يكون أثره قوي جداً على الوعي في الكبر، فتسبيح الزهراء (سلام الله عليها) وتعليمه سيكون أثره كبير على وعي الطفل في الكبر.
ثالثاً: ليس فقط المطلوب الاتيان بتسبيح فاطمة (عليها السلام) في بعض الأوقات ولكن المطلوب هو أن يقوم بها الانسان على الدوام حتى يكون مصاحباً لها في كل الأوقات وأن يأنس بها، وأن يكون عمل ثابت ودائم في حياته وحياة طفله ليكون لها الأثر التربوي.
رابعاً: صرّح الامام (عليه السلام) الشقاء لمن لم يلزم تسبيح فاطمة (سلام الله عليها)، فإذا بالهداية أو بطريق آخر تسبيح فاطمة (سلام الله عليها) سيوصل أولادنا إلى الهداية والسعادة.
وسنبحث في هذا المقال إلى الآثار التربوية الأخرى لهذه السبحة المباركة:
خامساً: التربية التوحيدية للأطفال: أولادنا هم نعم من الله تعالى أودعهم الله في ذمتنا وجعل في أعناقنا تربيتهم وتأديبهم وتعليمهم نحو درب الهداية التي يوصلهم إلى الجنة، وأهم محور في التربية الدينية هو تعليم الأطفال التوحيد، فكما عن الامام الصادق (عليه السلام): «مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ اللَّذَانِ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ»[2]، إنّ توحيد الله عزّوجل أودعه الله في فطرتنا، بمعنى أنّ الأطفال لو لم يتعرضوا إلى ما يوحي إليهم الكفر فإنهم يعرفون الله ويوحدونه وذلك بسبب ما مرّ علينا في عالم الذر-وهذا بحث مطول ليس هناك مجال لبحثه في هذا المقال.
هناك خطوتان مهمتان في التربية التوحيدية:
1-تذكير التوحيد للأولاد بمختلف التكتيكات المتنوعة والترفيهية.
2-إبعاد مختلف الأفكار والمعلومات التي توحي الكفر للأطفال منها الرسوم المتحركة والكليبات الطفولية.
تسبيح مولاتنا الزهراء (سلام الله عليها) هي خطوة مهمة جداً لتعليم التوحيد للأطفال، فهذه السبحة تشمل ثلاث أهم محاور لتوحيد الله تبارك وتعالى:
1-التكبير (اللَّهُ أَكْبَر (: إذا عرفنا أنّ الله سبحانه هو أكبر من كل شيء وقبلنا ذلك بلحمنا ودمنا وكل خلية من جسمنا فإنّه سيصغر كل ما دون الله من أعيننا وستتمحور كل أفعالنا على ما يرضيه الله ونبتعد عن كل ما يسخطه.
2-التحميد (الْحَمْدُ لِلَّه (: فمن عرف قدر النعم التي من الله بها علينا والتي هي لا تحصى ولاتعد فإنه سوف لن يكفر به سبحانه ولو حتى مقابل سلب نعمة صغيرة منه.
3-التسبيح (سُبْحَانَ اللَّه (: فبعد التكبير والتحميد يبقى أنّ الانسان ينزه الله من كل سوء فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن معنى سبحان الله قال: «هُوَ تَعْظِيمُ جَلَالِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ وتَنْزِيهُهُ عَمَّا قَالَ فِيهِ كُلُّ مُشْرِكٍ».[3]
أذكار صغيرة وسهلة على اللسان ولكن أثرها التعليمي التوحيدي كبير على روح الأطفال.
سادساً: التربية على ولاية أهل البيت (عليهم السلام) منذ الصغر:
إنّ الله عزوجل يريد أن نوحّده ونعبده ولكن عن طريق ومنهج الذي عينه لنا وهم أهل البيت (عليهم السلام)، فكم هي الروايات التي تنبذ الايمان بالله من دون ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإنّنا حتى في توحيدنا يجب أن نكون متأدبين بأدب المعصومين (عليهم السلام) ونكبره ونحمده ونقدسه كما كانوا يفعلون (عليهم السلام)، ربما يقول القائل: لم يجب أن نكبر 34 مرة وليس 33 مرة كما في التحميد والتسبيح؟! أولا يكون أسهل أو أسلس لو قلنا ثلاث الأذكار بنفس المقدار؟! بالتأكيد هناك حكمة في تعيين هذا العدد وأنا لا أعرف ذلك، ولكن الذي أعرفه هو أنّ النبي (صلى الله عليه واله) علّم هذه الأذكار المباركة لإبنته سيدة نساء العالمين فاطمة (سلام الله عليها) التي كانت أغلى ماعنده في الحياة الدنيا وهي بضعة منه، ويقول الامام الصادق (عليه السلام):«فَوَ اللَّهِ لَوْ كَانَ شَيْءٌ أَفْضَلَ مِنْهُ لَعَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه واله) إِيَّاهَا»[4]، فإنّ من جمال هذه السبحة المباركة إنها خليط من التوحيد والولاية، وإننا تعلمنا هذه الأذكار عن طريق السيدة فاطمة (عليها السلام).
سابعاً: الأثر المعنوي على روح الطفل: إنّ الطفل قبل البلوغ الشرعي لا يكتب عليه التكليف والعقاب عند الذنوب وهذا ما لا اختلاف فيه، ولكن الثواب يكتب في ميزان أعماله، كقول الامام الصادق (عليه السلام):«تَسْبِيحُ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ (عليها السلام) فِي كُلِّ يَوْمٍ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ صَلَاةِ أَلْفِ رَكْعَةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ»[5]، فتصوروا ذلك الكتاب المليء بالثواب بآلاف الركعات من الصلاة الذي ليس فيه سيئة واحدة، كم سترتقي معنوياً بنفسية هذا الإنسان وكم ستؤهله للصلاح في المستقبل، ومن جانب آخر بما أن الطفل ليس عليه تكليف إذا عمل صالحاً يكتب ثوابه للوالدين أيضاً.
ومن جانب ثالث فإنّ من الأخطار التي تواجه صلاح الطفل هو الشيطان، فهو وإن لم نره ولكنه حقيقة موجودة ووسوسته يمكن أن تسبب شقاوة الأطفال في الدنيا والآخرة، فالإمام السجاد (عليه السلام) في دعاء الخامس والعشرون من الصحيفة السجادية لأولاده: «وَأَعِذْنِي وَذُرِّيَّتِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم»، وفی تتمة الدعاء يشرح أنه كيف نحن نتعرض للخطر من جانب الشيطان[6] ويطلب من الله عزوجل أن يعيذ أولاده من شره، إحدى الطرق التي يمكن أن نحفظ أولادنا من شر الشيطان الرجيم هو تسبيح فاطمة (صلام الله عليها) وهذا طبقاً لما يقوله الامام الباقر (عليه السلام):«مَنْ سَبَّحَ تَسْبِيحَ الزَّهْرَاءِ (عليها السلام) ثُمَّ اسْتَغْفَرَ غُفِرَ لَهُ وَهِيَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ وَتَطْرُدُ الشَّيْطَانَ وَتُرْضِي الرَّحْمَنَ.»[7]
ثامناً: التلقين (Indoctrinate) والتكرار(Repetition): هاتان الطريقتان من الطرق التربوية في دين الإسلام، فعندما يولد الطفل نؤذن في أذنه اليمنى ونقرأ الإقامة في أذنه اليسرى وبذلك نزرع البذرة الأولى من التوحيد في قرارة نفسه، وعندما يموت الانسان ويوضع في قبره فنلقنه أيضاً بالتوحيد وولاية أهل البيت (عليهم السلام) حتى لا ينسى ذلك عند حساب الملكين، وفيما بين هذين الاثنين المهد واللحد نحن لا نستغني من تلقين التوحيد لأنّ الانسان في خضم مشاكل الحياة والسعي وراء العيش في كثير من الأوقات ينسى أنه ما الهدف من خلقته ولماذا وجد في هذا الحياة - وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[8]- ، فالذكر والتسبيح يكون تلقيناً وتكراراً يذكّره بذلك ويعيده إلى المسار الصحيح، أما بالنسبة للصبي فبما أنه لم يتشكل الوعي الكامل عنده فيكون أثر التلقين أكثر فيه، وبالتكرار تترسخ المعلومة لديه، كما تقول الرواية:«مَثَلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ فِي صِغَرِهِ كَالنَّقْشِ عَلَى الْحَجَرِ وَمَثَلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ فِي كِبَرِهِ كَالَّذِي يَكْتُبُ عَلَى الْمَاء».[9] فتصور كم سيكون أثر تسبيح فاطمة (سلام الله عليها) كبيراً على شخصية الطفل لو أخذنا هذا الجانب.
تاسعاً: البركة وقضاء الحوائج: ربما حدث لك أن تفعل شيئاً كبيراً وتتوقع منه الأثر الكبير ولكن لم تر ذلك وتتعجب، وربما تفعل شيئاً صغيراً وله أثر كبير من حيث لا تحتسب، وهذا ما نسميه بالبركة.
البركة هي من كبريات معتقدنا وهي ثبوت الخير الإلهي في الشيء[10]، ويصدر من حيث لا يحسّ، وعلى وجه لا يحصى ولا يحصر، ربما تكن تسبيح فاطمة (سلام الله عليها) ذكر صغير في الظاهر ولكن جعل الله سبحانه الأثر الكبير والبركة فيها، فيقول أحدهم أنه أتى إلى الامام الصادق (عليه السلام) وشكى إليه ثقلا في أذنه، فقال له الامام (عليه السلام): «عَلَيْكَ بِتَسْبِيحِ فَاطِمَةَ (سلام الله عليها)».[11]
وفي قضية أخرى أتى أخوان إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) وقالا: إننا نريد أن نذهب إلى الشام بقصد التجارة، فعلّمنا ما نقول للنجاح في ذلك، فأمرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتسبيح الزهراء (عليها السلام) لیلاً قبل النوم.[12] وفي حديث آخر قال (صلى الله عليه وآله) للفقراء بعد أمرهم بتسبيح فاطمة: «فَإِنَّكُمْ تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَا يَسْبِقُكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ».[13]
فتخيل لو أنّ طفلاً قام بتسبيح فاطمة (سلام الله عليها) وأدام عليها كم سيكون الأثر الكبير والبركة على حياته من حيث لا نشعر.
فإذاً لا تنسي أيتها الأم أن تضعي مسبحة دائماً في سجادتك وحقيبتك وتحت مخدة طفلك، وأن تخرجيها وتعطيها لطفلك حين ترين أنها فرصة مناسبة، قبل النوم أو في طريق المدرسة أو عندما ينتظرك عند السجادة وليس لديه ما يفعل، لأنّ تسبيح فاطمة (سلام الله عليها) من أفضل الطرق التربوية التي يجب أن تضعيها ضمن برمجتك لشخصية طفلك.
اضافةتعليق
التعليقات