الكلام هو أكثر التعابير المستخدمة للإنسان بعد أن منَّ الله عليه من دون خلقه أجمعين، ليتحدث ويعبر ويقول ما يريد قوله، ويدور كلامه كأنه رحى وتتشعب أفكاره وتتطاير، فإن خنقته المصاعب وأتعبته المشاكل وجال في خاطره التساؤلات رام الحديث للتنفيس عن ما يشعر به، ولكن هل نقول كل ما نفكر به؟، وهل نستطيع أن نفهم الآخرين من خلال كلامهم؟.
قال الفيلسوف اليوناني سقراط: "تكلم حتى أراك"، حين كان يجلس بين تلاميذه وكانوا يتبادلون الكلام فيما بينهم، دخل أحدهم وهو يتبختر في مشيه، يزهو بنفسه، وسيماً بشكله، فنظر إليه سقراط مطولاً، ثم قال جملته الشهيرة التي أصبحت مثلاً.
وبعد ما يقارب ال ٢٠٠٠ سنة قال الروائي الروسي دوستويفسكي: "قد يكون في أعماق المرء ما لا يمكن نبشه بالثرثرة، إياك أن تظن أنك عرفتني لمجرد أن تحدثت إليك".
فأيهما أصح و أدق؟!.
هذا السؤال طرحه أحدهم على اثنين من أصدقائه، فأجابه الأول قائلا: نعم نستطيع أن نفهم الكثير من شخصية المقابل من خلال كلامه وآرائه وحتى نبرة صوته فالكلمات هي أفكار الشخص وتعتبر بوابة عقله.
فيما ذهب الآخر في القول: أنا أتفق في شق وأختلف في شق آخر، إن ما نريد أن نخفيه من الآراء والتوجهات والأفكار نستطيع ان نوهم المقابل بعكسه، وما نراه لدى السياسيين ونفاقهم وازدواجية آرائهم التي غشوا بها شعوب بأكملها خير دليل على أنه من خلال الحديث نستطيع أن نتلاعب ونوهم الآخر بغير الحقيقة، والأدوار التي يحتاج الإنسان للقيام بها لغاية معينة ينجح في اقناع الجموع بها.
وأردف قائلا: في الوقت ذاته اكتشفنا زيف كلامهم وأخذنا على كلامهم المآخذ حين يخطبون ويحاورن بالمنطق والعقل في المباشر وأمام الجمهور دون مستشاريهم أو ملقّنيهم فتظهر بلاهتهم وسطحية تفكيرهم والدرجة المنخفضة في مستوى التواصل السياسي الجاذب والمقنع.
وأكمل نعم، نستطيع أن نعرفهم من خلال كلامهم حين لا يخططوا عن ماذا يقولون وكيف يتكلمون مسبقا.
يقول الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام):" تكلموا تُعرفوا فإن المرء مخبوء تحت لسانه"، إن اللسان يكشف ما يضمره الإنسان من نوايا، وما يحاول اخفاءه ويعكس سلوكياته وطبائعه، وإن كان جسده يسيطر عليه سيظهر لسانه ما يخفيه، فكم شخص حكمنا عليه بالشكل السلبي واتضحت شخصيته ولم يسعفه منصبه ومركزه أو أمواله وجاهه ولا حتى ملابسه ولا مظهره.
كلما كان الإنسان مسؤولا عن كلامه ويقيم له حسابا يليق به ولا يقلل من قيمته يكون دقيقا في اختيار ألفاظه، لأنها انعكاس لداخله وشخصيته وقيمته العلمية والأخلاقية والإنسانية في المجتمع والحياة.
يقول المثل الشعبي "لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك". فأما إن يصون الانسان كرامته وعزته بلسانه، أو لا يعي خطورته ويتركه على عواهنه كحجارة ملقاة في الطريق فيجلب له المهانة والندامة.
اضافةتعليق
التعليقات