إن من أهداف الزواج الأساسية بناء الأسرة التي تتكوّن بعد ارتباط شخصين برباطٍ مقدس هو الزواج، والحصول على الأولاد مكمّل لهذا البناء. والزواج في الفكر الإلهي علاقةٌ مقدسةٌ ورباطٌ متين، وصفه القرآن الكريم بأنه ميثاقٌ غليظ، قال تعالى:
﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾.
وهذا الميثاق الغليظ ينطوي تحته بُعدٌ عاطفيٌّ ومعنويٌّ عميق، وليس مجرد علاقة جسدية. ومن هنا، يمكن لطرفي الزواج أن يكونا ساعيين إلى تحقيق مقاصد سامية من هذا الرباط المقدس، أو قد ينجرفا وراء أغراض وضيعة لا تتجاوز المصالح الدنيوية والأهداف الغريزية.
إن ما يدعو إليه الإسلام هو الإقدام على الزواج لأهداف سامية، في مقدمتها رضى الله تبارك وتعالى، لا لمقاصد هابطة. لذلك سنتناول في هذا البحث الأهداف السامية للزواج، في مقابل الأهداف الدنيوية المحدودة، ليطّلع عليها الشباب المسلم، ويقبلوا على الزواج بنيةٍ صادقةٍ وغايةٍ راقية.
أولًا: الأهداف السامية للزواج
1. الاستجابة لنداء الفطرة
الزواج هو الجواب الصحيح والشرعي لنداء الفطرة والغريزة التي أودعها الله سبحانه وتعالى في الإنسان. فهو يحقق السكينة والطمأنينة التي عبّر عنها القرآن الكريم، ويسهم في استمرار النسل البشري. فالغريزة الجنسية تنمو مع نمو الجسد، والزواج هو الإطار الشرعي الذي يلبي هذه الحاجة، ويبقى غرضه قائمًا حتى مع تقدم الإنسان في العمر.
2. الاستجابة للسنّة النبوية
الزواج في الإسلام عبادة ووظيفة مقدسة، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
"النكاح سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني."
3. الوقاية من المخاطر
يُعد الزواج وسيلة وقائية تحمي الجسد والروح من الانحراف والأمراض النفسية والجسدية التي قد تنشأ عن الكبت أو السلوك المنحرف. فالإعراض عن الزواج غالبًا ما يؤدي إلى اضطراب التوازن الطبيعي في حياة الإنسان.
4. المحافظة على العفّة
الزواج من أهم الوسائل التي تحفظ الشاب والشابة من الوقوع في المعاصي، إذ يوفّر الإطار الشرعي لإشباع الحاجة الجنسية. يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله):
"من تزوج فقد أحرز نصف دينه."
5. الحصول على السكينة
الزواج يمنح الإنسان راحة نفسية وسكونًا داخليًا، ويُبعد عنه الاضطرابات النفسية، فيشعر بالطمأنينة وهو يسعى لتحقيق أهدافه السامية. وقد وصف القرآن الكريم الزوجة بأنها سكن، فقال:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾.
6. المودة والحب
الحب والمودة من أساسيات الحياة الزوجية الناجحة، فهما يبعثان الطمأنينة في القلب ويخففان أعباء الحياة. الإنسان في جميع مراحل عمره بحاجة إلى حبٍّ صادق، والزواج يُشبع هذه الحاجة بما فيه من محبة خالصة بين الزوجين، لا تشوبها المصالح.
7. الوصول إلى الكمال
الزواج سبيل إلى التكامل المادي والمعنوي، إذ يشعر كل من الزوج والزوجة أنه أصبح إنسانًا مكتملًا في ظل هذه العلاقة. فالفتاة تبدأ بدور الأمومة، والشاب بدور الأبوة، ويتقربان بذلك إلى الله تعالى، إذا كانت النية خالصةً لوجهه الكريم. أمّا الزواج القائم على أهداف مادية أو حيوانية فسرعان ما تنشأ فيه المشكلات منذ الأيام الأولى.
8. تكثير النسل
ومن أبرز أهداف الزواج أيضًا إنجاب الأبناء وحفظ النسل البشري. وقد ورد التأكيد في السنة النبوية على اختيار المرأة الولود، والامتناع عن الزواج من المرأة العقيم. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
"تزوجوا، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، حتى إن السقط ليُجيء محبنطئًا على باب الجنة، فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: لا، حتى يدخل أبواي الجنة قبلي."
ثانيًا: الأهداف المادية والحيوانية
1. الزواج لإرضاء الذوق أو الرغبة الجسدية فحسب، وهو أمر لا يُحمد عقباه.
2. التركيز المفرط على الجانب الجنسي حتى ينحدر الإنسان إلى مستوى الغريزة البحتة.
3. الزواج للحصول على المال، أو الثروة، أو الجمال.
4. اتخاذ المرأة كأداة للعمل في شؤون الزراعة أو الصناعة.
5. التفاخر والتظاهر الاجتماعي، خاصة إذا كانت الزوجة من طبقة مرفهة.
6. التهرب من المسؤوليات الحياتية، وإلقاؤها على عاتق الزوج، وهذا نوع من الاستغلال.
7. الزواج بدافع العطف المجرد، دون وجود رابطة قلبية، وغالبًا ما ينتهي هذا النوع من الزواج بالفشل.
8. التغرير بالطرف الآخر لتحقيق مصلحة شخصية، وهو ما يكون لله تعالى فيه بالمرصاد.
على الإنسان أن يُراعي نية القرب إلى الله تعالى في الزواج، لأن النية الخالصة تجلب بركة الزواج وسعادته. أما الزواج القائم على الجاه والمال، دون اعتبار للدين، فهو في حقيقته سوء ظنٍّ بالله عزّ وجلّ. وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام):
"إذا تزوج الرجل المرأة لجمالها أو لمالها وُكِل إلى ذلك، وإذا تزوجها لدينها رزقه الله المال والجمال".
اضافةتعليق
التعليقات