يحتاج الإنسان لنيل النجاح إلى التوفيق الإلهي، فلا يكفي الأخذ بالأسباب الطبيعية مالم يرافقه التوفيق الإلهي. فكم من أمور كانت تسير وفق المعادلات الطبيعية إلا أنها تغيرت في اللحظات الأخيرة. وكم من أشخاص عملوا بأسباب النجاح، إلا أنهم لم يحصلوا على النجاح!.
وما ذلك إلا لتدخل الإرادة الإلهية في التوفيق والخذلان. ولنا في أهل البيت أسوة فهذا الإمام علي عليه السلام يضع أسس ومبادئ للمؤمن الذي يطلب رضا الله في الدنيا والآخرة ومن ضمن الوصايا للإمام حيث قال محدثاً ابنه الحسن عليه السلام:
- [ثمّ إنّي أوصیك یا حسن وجمیع أهل بیتي وولدي ومن بلغه کتابي: بتقوى الله ربّکم ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جمیعاً ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم]. فالتقوى هي فضيلة وسلوك الإنسان والتزام اتجاه الله واتجاه مخلوقاته. ويترجم ذلك في أداء واجبات المؤمن اتجاه ربه، ووالديه، ووطنه ومجتمعه.
والتقوى هي أيضا ذلك الحب والتقدير الصادقين وهي من دعائم الدين والإيمان التي تتجلى في سلوكيات الإنسان وتصرفاته. كما أن التقوى هي تلك التضحيات التي نقدمها للوالدين وللآخرين دون انتظار المقابل. وأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تره فإنه يراك، فهي أعظم القربات إلى الله، لما لها من أثر عظيم على الفرد والمجتمع.
وهي عنوان الفلاح والنجاح في الدنيا. وأشار في وصيته بالتقوى إلى أهمّيتها، فكيف لا تكون مهمة والعمل أو العبادة بدون التَحَلِّي والتَلَبُّس بتقوى الله وهي تصل بالعبد إلى التعب والإرهاق فيما لم يلتزم بها، وأيضا يكفي في ظهور أهمّيتها، أنّها في حقيقتها تستوعب كلُ فعلٍ يصدر من الإنسان سواء كان هذا الفعل نفسي داخلي أو خارجي، فالعبد المُتَّقي هو ذلك العبد الذي تجده يُوَازِنُ كل حركة من حركاته حتى النفسية منها، بميزان أوامر المولى تعالى ونواهيه، وتجده لا يحاول حتى الإقتراب من حدود الله.
ثمّ بعد ذلك أشار من خلال قوله: «ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون» إلى أنّه على العبد المؤمن العمل ومجاهدة النّفس من خلال اتخاذ التقوى سبيلاً، حتى يبلغ لدرجة التسليم للمولى تعالى في كل أموره كبيرها وصغيرها قبل موته، فالإمام نهى على أن يصل العبد لمرحلة الموت وهو مازال لم يبلغ بعدُ إلى تلك الدرجة العظمى من التسليم لله والتي يتصف الواصل إليها بكونه من المسلمين، بمعنى لا تَمُوتنّ إلاّ وأنتم في حال التسليم للمولى تعالى.
إذن التقوى هي الخضوع التام إلى الله تعالى. وتجنب المحرمات والمكروهات، والتقوى هي سبب نجاة الأمم والشعوب من المهالك، لأنها هي قانون يتبعه الفرد في تحصين نفسه وصدها من الشبهات والعمل بالمعروف والنهي عن المنكر، ومتى ما وصل الإنسان لهذه الدرجات العظيمة زاد قرباً من الله، والتسليم له في كافة أموره.
وأوصى الأمام بالاعتصام بحبل الله. فيقول الإمام (عليه السلام)، عليكم بالتمسك بحبل الله عزّ وجل في كل ما تختلفون أو تتحيّرون فيه، وحبل الله الذي طرفه الأول في الأرض أي عالم الدنيا، والطرف الثاني في السماء أي عالم الغيب، هو كتاب الله عزّ وجل وأهل البيت الوسيلة التي تربط العبد بربه، والقرب منهم َوالسير على نهجهم المستمد من كلام الله وجدهم رسول الله محمد "صلى الله عليه وآله"، كما نصت الكثير من الروايات على ذلك. ففي فترة خلافته تعرض الإمام علي (عليه السلام) للكثير من المحن والفتن والمؤامرات ولولا حكمته وتقواه في الحفاظ على وحدة المسلمين ورسالة الرسول "صلى الله عليه وآله" لسقطت الرسالة وتفرقت الأمة الاسلامية بعد وفاته، فتحمل ماتحمل وأبناءه من بعده، في الحفاظ على وحدة المسلمين ودين جدهم رسول الله. لذا أكد على الإعتصام بحبل الله ونبذ الخلافات وتجنب الفرقة من خلال التمسك بحبل الله عز ّ وجل، فالرسول "صلى الله عليه وآله" قال: (العمل على إصلاح الروابط التي تربط بين العباد، حين يقع ما يفسدها ويقطعها أفضل في الحقيقة من كل الصلوات والصيام سواء كانا ندب أو فرض). والاعتصام بحبل الله مرتبطاً بعلاقة الفرد بمن حوله من بني الإنسان، وهو أنّ التكليف الأوّلي الذي تقتضيه القيّم الإيمانية للعبد حين وقوع خلاف بين طرفين، هو العمل على الإصلاح بين المختلفين لا التحزب لطرفٍ دون الآخر واتباع العصبية القبلية أو المذهبية، والحمية الجاهلية، كما نشهده في عصرنا الحاضر الذي تراكمت فيه الفتن والمظالم، حتى أُنْهِكَتْ القلوب المؤمنة.
وأن السبب المُهلك لدين العبد! هو التباغض والبغضاء. فهي مميتة لقلب الإنسان، فيصبح صاحبها أقسى من حجر الصوان، كما نشهده اليوم عند الكثير ممن يتلبسون بدين الله كذبا وزورا، وسموم بغضائهم تتناثر مع كلماتهم وأفعالهم، ضد المؤمنين والمسلمين.
لقد حدد الأمام علي عليه السلام دائرة المخاطبين بهذه الوصية فلم تكن خاصة للإمام الحسن (عليه السلام) أو أهل بيته فقط، ومن بعده الأئمة المعصومين الذين سيرثون وصايا آبائهم وأجدادهم (عليه السلام).
وإنما شملت الإنسانية جمعاء والكمال البشري، ولم يستثني منها أحدًا، مهما كان مذهبه أو دينه أو عرقه أو لونه، وهذا فيه دلالة على عُمق تَرسخ البُعد الإنساني في داخله (عليه السلام). وجل مايهمه هو مصلحة الأمة ووحدتها فعند صلاح الفرد تصلح الأمة.
اضافةتعليق
التعليقات