الطب حلم الجميع!، حتى أنا لم استثنى من هذا الحلم الفخم، أذكر جيداً حين كانت والدتي تناديني بالدكتورة، كانت تحلم أن أصبح دكتورة، لطالما تخيلت نفسي ارتدي سترة بيضاء وأساعد الآخرين وأنقذ حياتهم ولكن لم تتسنح لي الفرصة لأصبح دكتورة وأحقق حلمي وأرتدي تلك السترة الفاخرة ولكن فعلت المعروف لوالدتي وزرعت هذا الحلم في ذهن ابنتي لتصبح دكتورة ونفتخر أنا وأمي بها ولكن بعد أن رأيت صديقاتي وهن يمارسن مهن مختلفة غيرت رأيي.
هذه رساله لأمي، لي، ابنتي وجميع من يقرأ سطوري الآن إننا جميعًا دكاترة!.
بعد أن رأيت صديقتي التي أصبحت معلمة وصححت بعض الأخطاء في دروس طلابها عرفت أنها دكتورة النصوص وتعالج الكلمات لتنقذها من الهلاك وتجملها كي تزين العقول.
عندما رأيت صديقتي الثانية التي أصبحت مهندسة في الكمبيوتر وهي تعلم زميلتها التقنيات الجديدة في عالم الكمبيوتر عرفت حينها أنها دكتورة من نوع آخر تعالج البرامج وتنقذ الملفات وتعلم الآخرين مواكبة العصر.
وأخرى أصبحت تعالج الأرواح بلين كلماتها اللطيفة وتنقذ العوائل من المشاكل بسبب دراستها وخبرتها في مجال علم النفس، أدركت حينها أن انقاذ الأرواح قد يكون بسماع مشاكل الآخرين
واحتضانهم بدفء كي لا يشعروا باليأس والوحدة.
أمي.. أنتِ أيضاً دكتورة!، ربما لم ترتدي سترة بيضاء في حياتك أبداً ولم تحصلي على شهادة جامعية ولكن يديكِ تشفي الجروح ومفعولها أفضل من مئة حبة مسكنة، ربما لم تتعلمي كيف تستعملي الأجهزة الطبية لترجعي نبضات القلب الواقفة إلى الحياة ولكن إنكِ تتقنين فنون الطب بمهارة، تُرجعين الحياة إلى قلوبنا الميتةِ من جور الزمان وفي كل لحظة تعيدين نبضات قلوبنا لتتسارع نحو الهدف بأمل جميل.
أدركت جميع الناس من حولي دكاترة ولكن كل منهم بطريقة مختلفة، المهندس يبني الهياكل ليقدم سكناً مريحاً للآخرين، إنه دكتور بطريقته يعالج الخرائط ويقدم الجمال، والرسام يعالج الأوراق ليقدم أجمل صورة كي يستمتع الآخرون برؤية ما يحبون، الكاتب يسطر الكلمات بإتقان كي تستمتع العقول من قراءة السطور الجميلة.
العالم يعالج الجهل كي يعرف الناس إن الحياة مملوءة بأشياء جميلة يجب أن يُتعلم منها، نعم إنكم جميعكم دكاترة تعالجون الناس بطريقتكم الخاصة ربما لم ترتدوا سترة بيضاء في حياتكم ولكن بياض أرواحكم ناصعة أكثر.
مع احترامي لجميع الدكاترة الذين يعملون باخلاص ولكن لندرك إن العلوم جميعها مهمة وجميع المهن محترمة لا يهم أين نكون ولكن المهم أن نقدم أفضل مالدينا، لايهم ارتداء السترة البيضاء المهم نسعى لإنقاذ الآخرين بأية طريقة نتقنها، لذلك ما أقول لأبنائي اليوم كوالدة فهيمة: ((جعلك الله مباركاً أينما كنت)).
كيف يكون الانسان مباركاً؟
عندما يتعلم الانسان العلوم ويعمل بذلك ويخلص عمله لله سبحانه وتعالى ويتمسك بالدين وتعاليم أهل البيت عليهم السلام، فقد روى المجلسي عن الراوندي بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: لا خير في العيش إلا لمستمع واع، أو عالم ناطق) *١.
هنا يدرك الانسان خطورة الأمر بأن لا يعبث بالحياة ولا يترك طلب العلم حيث يقترن طلب العلم برشد العقل فقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أربع يلزم من كل ذي حجى وعقل من أمتي، قيل: يا رسول الله ما هي؟ قال:
1ـ استماع العلم. 2ـ وحفظه. 3ـ ونشره عنده أهله. 4ـ والعمل به.
فمن يعمل بما يعلم وينير الدروب سيرتدي سترة من نور ويزرع الخير في النفوس، ياترى هل فكرنا في أن نحث أبنائنا على طلب العلم بهذه الصورة؟
بأن يجندوا طاقتهم قربة إلى الله تعالى ويخدموا العلم والدين؟
ربما حان الأوان لنخبرهم بأن العلم لا يفيد إن لم يخضع لهذه الأمور:
قال ابن حمدون في تذكرته: قال موسى بن جعفر (عليه السلام): (وجدت علم الناس في أربع:
أولها: أن تعرف ربك ومفادها وجوب معرفة الله تعالى التي هي اللطف.
وثانيها: أن تعرف ما صنع بك من النعم التي يتعيّن عليك لأجلها الشكر والعبادة.
وثالثها: أن تعرف ما أراد منك: فيما أوجبه عليك وندبك إلى فعله لتفعله على الحد الذي أراده منك فتستحق بذلك الثواب.
ورابعها: أن تعرف ما يخرجك من دينك، وهي أن تعرف الشيء الذي يخرجك عن طاعة الله فتتجنّبه)*٢.
لنغير نظرتنا جذريًا ولا نكلّف أبنائنا فوق قدراتهم وطاقاتهم.. يكفي أن نربي جيلاً مثقفاً مباركاً يخاف الله ويسعى ليمهّد الأمور للظهور المبارك.
اضافةتعليق
التعليقات