في سعة الأفق، ريض من عقود رافقتها الولاية، ولاذت كموج تلاطم فوج شاطئه فاتحة الحمد، في غدير العناق، كان السجى قريب قدرة والعفو رفيق مغفرة.. والولاء مرابط شخص الوفاء..
فلنجامل ساحة العطف ونلقي تحية، ونعايش وطن الآيات، بيت ترفل على أعتابه رحمات وإجابات ..
في كتاب اسمه التأريخ، قيدت ذاكرة ونص مختوم بالرحمة كانت صبا مرقوم بالإغاثة، تنهدت صفحات عطره بشذى القيادة، وروت لنا حكاية المغامرة، سموها العناية وتاجها أمير الولاية، علي قاتل البغايا، بسيف ذو الفقار من عهد الإسراء هدية إلى البرايا .
في عهد المعجزة، ولد توأم الرسالة، نبوة تتبعها الوصاية.. فيكتمل حينها النور في سورة المؤمنون، وتشرق الأرض بنور ربها ولم تكن النهاية..
لأن التكوين عاهد وبايع وكتب على نفسه مصافحة القدوم لفجر الولادة..
في بحار الأنوار عن الصادق عليه السلام - والحديث مختصر - أنه انفتح البيت من ظهره ودخلت فاطمة فيه ثم عادت الفتحة والتصقت، وبقيت فيه ثلاثة أيام، فأكلت من ثمار الجنة، فلما خرجت قال علي عليه السلام: السلام عليك يا أبه ورحمة الله وبركاته، ثم تنحنح وقال:
(بسم الله الرحمن الرحيم * قد أفلح المؤمنون) الآيات، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قد أفلحوا بك أنت والله أميرهم، تميرهم من علمك فيمتارون، وأنت والله دليلهم وبك والله يهتدون، ووضع رسول الله صلى الله عليه وآله لسانه في فيه، فانفجرت اثنتا عشرة عينا قال: فسمي ذلك اليوم يوم التروية، فلما كان من غده وبصر علي برسول الله سلم عليه وضحك في وجهه، وجعل يشير إليه، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله، وضعته أمه بين يدي النبي صلى الله عليه وآله ففتح فاه بلسانه وحنكه وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، فعرف الشهادتين وولد على الفطرة .
أبو علي بن همام رفعه أنه لما ولد علي عليه السلام أخذ أبو طالب بيد فاطمة - وعلي على صدره - وخرج إلى الأبطح، ونادى:
يا رب يا ذا الغسق الدجي * والقمر المبتلج المضي بين لنا من حكمك المقضي * ماذا ترى في اسم ذا الصبي قال: فجاء شيء يدب على الأرض كالسحاب، حتى حصل في صدر أبي طالب، فضمه مع علي إلى صدره، فلما أصبح إذا هو بلوح أخضر فيه مكتوب:
خصصتما بالولد الزكي * والطاهر المنتجب الرضي فاسمه من شامخ علي * علي اشتق من العلي قال: فعلقوا اللوح في الكعبة وما زال هناك حتى أخذه هشام بن عبد الملك، فاجتمع أهل البيت في الزاوية الأيمن عن ناحية البيت، فالولد الطاهر من النسل الطاهر ولد في الموضع الطاهر، فأين توجد هذه الكرامة لغيره؟ فأشرف البقاع الحرم، وأشرف الحرم المسجد، وأشرف بقاع المسجد الكعبة، ولم يولد فيه مولود سواه، فالمولود فيه يكون في غاية الشرف، وليس المولود في سيد الأيام - يوم الجمعة - في الشهر الحرام، في البيت الحرام، سوى أمير المؤمنين عليه السلام .
ولادة الرواية
في يوم كان مقداره دهرا مما تعدون، وفي شهر رجاء العبد ربه، كانت الحكاية..
أن يلد الطهر طهارة المولد مطهر ألف باء الإسلام بسجاياه، وفيض أنوار السما في بيت مكة..
امرأة تجوب العتيق ساجدة متضرعة، تسأل الرفق في وليد اللحظة، تحاكيه بضمير العزة وقدوة الشجاعة وتلثم ثوبها بشرف الدعاء ونجابة المنطق وتطرق بيت العتيق لاستضافته ..
فكانت الإجابة، أن تخضع أركان العتيق لذاك الوليد واحتضان قلبه بنور السيادة.. أن أقدم على عيد ولتعلمن نبأه بعد حين .
في شهر رجب، بدأت الرواية، اشتاق العرش لعنق العبادة ونور الوصاية، علي خير البرايا.. ولم تكتفِ، بل كان علمه شمس ونفسه الهداية.. بل كيمياءه جل الكواكب ساجدة شكرا وتقول عليا مظهر العجائب، فكان العجب، نذير وبشيرا عند ذي العرش متين مطاع ثم أمين في نفس الدراية والرواية.
تعانقه يد النبوة، تغذيه من لسان حكمته ألف باب ولكل باب ألف جزء مقسوم من نور العصمة وازدهار الراية واعتقاد الموالاة لسيد الحكاية.
وشهد شاهد من أهلها وقد أدلت الحقيقة قولها، في بحار الأنوار الجزء ٣٥ الصفحة ١٠.
في روضة الواعظين: قال جابر بن عبد الله الأنصاري: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن ميلاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: آه آه لقد سألتني عن خير مولود ولد بعدي على سنة المسيح عليه السلام، إن الله تبارك وتعالى خلقني وعليا من نور واحد قبل أن خلق الخلق بخمسمائة ألف عام، فكنا نسبح الله ونقدسه، فلما خلق الله تعالى آدم قذف بنا في صلبه، واستقررت أنا في جنبه الأيمن وعلي في الأيسر، ثم نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرات إلى الأرحام الطيبة، فلم نزل كذلك حتى أطلعني الله تبارك وتعالى من ظهر طاهر وهو عبد الله بن عبد المطلب فاستودعني خير رحم وهي آمنة، ثم أطلع الله تبارك وتعالى عليا من ظهر طاهر وهو أبو طالب واستودعه خير رحم وهي فاطمة بنت أسد.
قال أبو طالب: لما مضى من الليل الثلث أخذت فاطمة ما يأخذ النساء عند الولادة، فقلت لها: ما بالك يا سيدة النساء؟ قالت: إني أجد وهجا، فقرأت عليها الاسم الذي فيه النجاة فسكنت، فقلت لها: إني أنهض فآتيك بنسوة من صواحبك يعنك على أمرك في هذه الليلة، فقالت: رأيك يا أبا طالب، فلما قمت لذلك إذا أنا بهاتف هتف من زاوية البيت وهو يقول: أمسك يا أبا طالب فإن ولي الله لا تمسه يد نجسة، وإذا أنا بأربع نسوة يدخلن عليها، وعليهن ثياب كهيئة الحرير الأبيض، وإذا رائحتهن أطيب من المسك الأذفر، فقلن لها: السلام عليك يا ولية الله، فأجابتهن ثم جلسن بين يديها ومعهن جؤنة من فضة، وأنسنها حتى ولد أمير المؤمنين عليه السلام.
فلما ولد انتهيت إليه فإذا هو كالشمس الطالعة وقد سجد على الأرض وهو يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأشهد أن عليا وصي محمد رسول الله، وبمحمد يختم الله النبوة وبي يتم الوصية، وأنا أمير المؤمنين).
فأخذته واحدة منهن من الأرض ووضعته في حجرها، فلما نظر علي في وجهها ناداها بلسان ذلق ذرب: السلام عليك يا أماه، فقالت: وعليك يا بني فقال: ما خبر والدي؟ قالت: في نعم الله ينقلب، وصحبته يتنعم، فلما سمعت ذلك لما تمالكت أن قلت:
يا بني ألست بأبيك؟ قال: بلى ولكني وإياك من صلب آدم، وهذه أمي حواء، فلما سمعت ذلك غطيت رأسي بردائي وألقيت نفسي في زاوية البيت حياء منها، ثم دنت أخرى ومعها جؤنة فأخذت عليا فلما نظر إلى وجهها قال: السلام عليك يا أختي، قالت:
وعليك السلام يا أخي، قال: فما خبر عمي؟ قالت: خير وهو يقرأ عليك السلام، فقلت: يا بني أي أخت هذه وأي عم هذا؟ قال: هذه مريم ابنة عمران وعمي عيسى ابن مريم، وطيبته بطيب كان في الجؤنة، فأخذته أخرى منهن فأدرجته في ثوب كان معها، قال أبو طالب فقلت: لو طهرناه لكان أخف عليه، وذلك أن العرب كانت تطهر أولادها ، فقالت: يا أبا طالب إنه ولد طاهرا مطهرا، لا يذيقه حر الحديد في الدنيا إلا على يد رجل يبغضه الله ورسوله وملائكته والسماوات والأرض والبحار ، وتشتاق إليه النار، فقلت: من هذا الرجل؟ فقلن: ابن ملجم المرادي لعنه الله، وهو قاتله في الكوفة سنة ثلاثين من وفاة محمد صلى الله عليه وآله،
[قال أبو طالب: فأنا كنت في استماع قولهن ثم أخذه محمد بن عبد الله ابن أخي من يدهن ووضع يده في يده وتكلم معه، وسأله عن كل شئ، فخاطب محمد صلى الله عليه وآله عليا بأسرار كانت بينهما] ثم غبن النسوة فلم أرهن، فقلت في نفسي: لو عرفت المرأتين الأخريين فألهم الله عليا فقال: يا أبي أما المرأة الأولى فكانت حواء، وأما التي أحضنتني فهي مريم بنت عمران التي أحصنت فرجها، وأما التي أدرجتني في الثوب فهي آسية بنت مزاحم وأما صاحبه الجؤنة فهي أم موسى.
ولادة فجر جديد
في ذات البهجة ودواعي سرور اليقظة ، ايقن القلب واكده ضمير الامتنان أن في مولد العظمة نفح تطيب له النفس وكل الجوارح، ذلك لأنها أي العظمة، نعمة قد منّ الله سبحانه على خلقه، وتختلف مظاهر النعمة، تبعا للظرف كماً وكيفية ومدى تقبلها وصدى مفردها أذهان المتلقي لها على الصعيد النفسي وقدرة العقل على استيعاب وادراك فحواها .
ويكون الاستيعاب لها على قدر دلائلها ومتانة النص فيها، ومعرفة الأدوار المنوطة والرائدة التي تقلدت وسامها بعزة واقتدار.
ناهيك عن كونها مفروضة القول والطاعة ومعضودة ب جليل الهيبة في كل أقوالها من لطف الله وبليغ حكمته في خلقه .
لذا، يتقمص الراعي لها مبدأ عميقا قد تسلح بالايمان، ويشهد الداعي لها بضرورة الاقتدار فيكون الايفاد موسوم بالقوة وعمق الغرض والبيان علما، إن ولادة العظمة وبهذه الصلاحية يكون أعظم من كل عظيم ماخلا صفات الله التي هي في ذاته سبحانه وتعالى .
إذن تطيب المحاجر باعلان فجرا جديد، يختلف عن سابقه مثقلا بإبتسامة العهد، وكوثر المفاهيم ، وبحر الافكار الزاخرة، ونسيم القيم الدافئة والتي في طيها دعوة نجاح لعمر الزمن المتجدد خلقا وأخلاقا لانعاش قلب الجسد الشيعي المبدئي الذي تبنى عمارة الفكرة تحت ظل المفهوم البعيد عن الوهن والابتذال، واليوم وفي ظل ذاكرة الولادة الميمونة، ولادة علي أمير المؤمنين سلام الله وصلواته عليه.
علينا جميعا أن نفهمها بذاكرتها الحالية بعيدة عن قالب الحرف البسيط والجملة المتكررة، نحتاح إلى دراسة الواقع وسبب التعظيم، ومدى عمقها الثقافي العقائدي ودوره في بناء سعادة النفس دنيا وآخرة ..
حتى تزدهر البنية بحلة مختلفة عن سابقتها في ولادة فجر جديد .
اضافةتعليق
التعليقات