لقد كان الرسول الأعظم – صلى الله عليه وآله وسلم – يختار الشباب المؤمنين الصالحين، ويجعلهم في بعض المناصب والوظائف الحساسة، لإدارة ما يرتبط بالأمة الإسلامية؛ والسبب في ذلك الاختيار يرجع إلى عدة أمور:
أولاً: لأن الشاب في بداية شبابه يشعر بأن له قوة عظيمة تمكنه أن يكون مؤثراً في العالم، وله القابلية على العمل والإبداع، وهو ذو حب كبير للنشاط والخدمة، واستعداد دائم للتضحية من أجل أفكاره وآرائه، ويحاول أن يضحي بنفسه من أجلها، فإنه عادة لا يتشبث بالحياة كثيراً كالرجل الكبير؛ لأن طبيعة الإنسان كلما طال بقاؤه في الدنيا في الدنيا ازداد حرصاً وطمعاً فيها، وكما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: "ويهرم ابن آدم وتشب فيه اثنتان: الحرص وطول الأمل".
أما كثير من الشباب فتقل فيهم هذه الحالات عادة.
ثانياً: في مرحلة الشباب يشعر الشاب بتفتح عقله، وكذلك يشعر بأن مواهبه تتفجر، حيث يبدأ بالتفكير الدقيق، فتشخص في ذهنه الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام عن الحياة والمجتمع، والتي لابد له من تحصيل الإجابة عليها؛ لذلك نراه يقوم بالبحث عن الأجوبة، ولو كلّف ذلك حياته أحياناً، فتراه مستعداً لأن يعتنق الفكرة الجديدة التي ينسجم معها أحياناً مهما كانت خطورتها ومصاعبها.
وإننا إذا راجعنا التاريخ متتبعين فيه حياة الأنبياء عليهم السلام يتبين لنا أن العديد من الرسالات السماوية إنما قامت على أكتاف الشباب، فهم الذين كانوا يتسابقون إلى الايمان بالدين وتقبل تلك الأفكار الجديدة، وكانوا على أهبة الاستعداد دائماً للتضحية في سبيل هذه المبادىء القيمة.
طاقات الشباب
عندما يمر الإنسان بمرحلة الشباب تتفجر طاقاته العقلية والبدنية وتتفتق مواهبه، وكل ذلك يؤهله ويشجعه لكي يقوم بدور مافي المجتمع. فإذا فسحنا المجال للشاب لأن يمارس دوراً اجتماعياً، ووجهناه الوجهة المناسبة والملائمة له للقيام بدور صالح مفيد في المجتمع، يساعد على بناء شخصيته، وينمي فيه كفاءاته، ويزوده بالخبرة الاجتماعية، نكون قد أحسنا الاستفادة من ملابسات مرحلة الشباب ومميزاتها.
لا لقياس العمر
لعل أكثر المجتمعات الحالية – وهذا ما يؤسف له – بما في ضمنها بعض المجتمعات الإسلامية ما زالوا يقيّمون الإنسان بمقياس العمر والزمن... وما دام الشباب لم يقطعوا من الحياة إلا مسافة قصيرة فإن مجتمع الكبار لا ينظر إليهم نظرة ثقة واحترام – في بعض الأحيان – ولا يفسح لهم مجال التحرك والنشاط، على العكس من المقياس الذي اتخذه الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في حياته الشريفة، فقد أعلن صلى الله عليه وآله وسلم رفض الإسلام لمقياس العمر والسن، وجعل المقياس الصحيح هو التقوى والعمل والكفاءة والقدرة على الإبداع، فكان صلى الله عليه وآله وسلم يختارمن بين أفراد المجتمع الإسلامي الطاقات المتفجرة، ويوليهم إدارة وقيادة المسلمين.
ففي آخر حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هيأ جيشاً كبيراً وجعل قيادة ذلك الجيش بيد أسامة بن زيد، وهو شاب لم يبلغ العشرين من العمر... وقد ذكر المؤرخون أن أسامة كان ذكياً منذ صغره ومقداماً، وكان عمره اثنتي عشرة سنة عندما تقدم للتطوع في غزوة أحد.
اضافةتعليق
التعليقات