قبلة حارة مطرزة بخيوط العشق السرمدي ألصقتها على خده البارد المحفر بشظايا ناعمة كرهت صانعها لأنها اقتحمت جسده الغر الطاهر.
كانت قبلة وداع تروي وشيجة حب لسنين مذ كان علقة ثم اكتسى عظمه ونبض بأحشائها، تتذكر كل تفاصيل، ها هو طفلا في المهد تتلقفه الأيادي أقام جده الآذان بإذنه اليمنى، وعلى الجبين قبلته جدته وهي تتمتم تعاويذ الحسد، يأخذه أبوه ويضمهُ على صدره بقوة، وبقلق تطلب الأم منه أن يحمله برفق...
تتذكر ابتسامتها الفخورة لمديح معارفهم به: "حيدر ولدٌ ذكي، حيدر ولدٌ مؤدب".
وحين شب عودهُ وقرض الفقر بنانه ترك دراستهُ ليعين والده ويعمل في البناء معهُ حسبوها سبوبة عيش يسترون أنفسهم بها.
لم يتذمر يوما فكان مؤمنٌ أن له ربٌ حليمٌ شفوق، والسعادة الكبرى من الله وبالتقرب منه تحصل، وتعجز الدنيا ومباهجها عن الإتيان بها، فكان شاكراً راضياً بمعيشته، ولم يتعلق بشيءٍ من علائق الدنيا...
واتخذت قراري
يا أمي: الحرب المقدسة دقت طبولها وجاءنا البيان وأُعلنت الفتوى ضد من يريدون أن يحولونا لأذلة خاضعين نقتل بعضنا بعضاً، ضد من تعدى على حدود الله واستخف بالشريعة الإسلامية، ضد من يحنون الهامات ويضربون بالسيف لكل مختلف عنهم، ضد من يريدون هزيمة غريزة الحياة بأمانها وتسامحها وسعادتها.
بني حيدر: لم تزل فتى صغيراً على حرب شرسة مثل هذه، تقاتلون أشرارا معتوهين لا محل للعدل والرحمة عندهم!
يا أمي: إنها خدمة لأرضي وديني، ووهج ايماني بهذه القضية يتعدى شروط العمر وسنينه، إنه وهج لا ينمو إلا في نفوس المؤمنين بخالقهم، وبقضائه وقدره.
بني: هم وحوش مفترسة وعدائهم كامن وظاهر لعقيدتنا ومقدساتنا فاحرص على مهاتفتي كل يوم ليطمئن قلبي.
ثم ارتقيت
يا أمي: المدينة ترتعش من تدفق الرايات السود لدولة الشيطان، والخوف يرفرف في أجساد سكانها، هم يتلذذون بجرائمهم الوحشية فيرهبون الضعفاء ولكن مرهوبين من صولاتنا عليهم لم نوارب في قتالنا معهم بل نواجه ونحسم وننتصر.
ومع مطلع كل شمس نتوكل على الله ونقرأ الشهادتين، فندك أوكارهم ونرعبهم في أنفاقهم.
والمواطنون يلوذون بسدنا أينما وجدونا فنقول لهم: نحن هنا من أجلكم ونذرنا أنفسنا لإنقاذكم ولا نتوقف عن قتالهم حتى نفنيهم من أرضنا...
سأعود قريبا وسأحدثك عن منامي الذي رأيته في الأمس، وكيف ارتقيت سلم من الدُّر والياقوت يفوح منه عطر المسك ويلتف حولها أشجار نخيلٌ وعنب........
"وَعَد الله المؤمنينَ والمؤمناتِ جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهارُ خالدين فيها ومساكِنَ طيِّبة في جنّاتٍ عدنٍ ورضوان من الله اكبرُ ذلك هو الفوزُ العظيم".
اضافةتعليق
التعليقات