تتعرض شعوبنا الإسلامية منذ عقود إلى مايشبه الحرب الناعمة كما تعرضت لحروب ساخنة ومدمرة طيلة القرن الماضي وماتزال تتخبط في مستنقع الأزمات السياسية والحروب المفروضة والمرفوضة وقد تبث اليوم خطورة النوع الأول من الحرب على حاضر ومستقبل الأمة أكثر من النوع الثاني، إذ بالإمكان إعمار البلاد وازالة ركام الحروب والتعويض عن الخسائر المادية لكن ليس من السهل التعويض عن الخسائر المعنوية.
ولم يبدأ الحديث عن الثقافة والفكر في هذه الفترة الراهنة، وإنما كانت النخبة الإسلامية تكتب وتتحدث وتنشر منذ أواسط القرن الماضي عن الثقافة الإسلامية: مفهومها ومضمونها وضرورتها للأمة، سعياً منهم لمواجهة التيارات الثقافية والفكرية العاتية في تلك الحقبة.
لكن مع وجود المكتبة الثقافية المشحونة بالعناوين الكبيرة، بقي السؤال الحائر يدور في أذهان الناس: ماهي الثقافة الإسلامية؟ فهل هي ثقافة الدين، أم ثقافة الإنسان، أم ثقافة المجتمع؟
وفي هذه المحاضرات التي جمعت في كتاب (محاضرات ثقافية) الذي اختير في إجتماع نادي أصدقاء الكتاب الشهري يؤكد السيد جعفر الشيرازي (حفظه الله) نجل المرجع الديني الراحل الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله مقامه) بأن الثقافة الاسلامية ليست شعاراً ترفعه الجماعات السياسية أو المؤسسات الثقافية ولاهي نتاج فكري إنساني محض، وإنما هي هوية أصلها ثابت وفرعها في السماء وبكلمة: أن أصل الهوية الثقافية الاسلامية هو الدين وأي قاعدة أخرى يضعها الانسان بنظرياته الفكرية أو المجتمع بعاداته الموروثة لا يوجد له نفع لأنها لا تلبث أن تنهار أمام الثقافات الأخرى، التي قد تحمل عناصر الإثارة والإغراء فتزيل تلك القشرة من الثقافة العديمة القشور.
وبما أن الثقافة بالأساس _ وكما تجمع التعريفات_ تمثل العادات والسلوك والقيم التي يحملها ويطبقها الإنسان في حياته، فقد سلط سماحته في هذه المحاضرات الضوء على نشوء الثقافة وتكونها في المجتمع، وذلك من خلال العادات والتقاليد الاجتماعية.
وحتى تكتمل الصورة ويتوضح الطريق فبإمكان القارىء العزيز من خلال مطالعته الكتاب - أن يجد مصادر الثقافة الإسلامية، ومن أين تتغذى وتنمو؟
فهي ثقافة الدين الحنيف، الذي أنزله الله تعالى خاتماً للأديان، ومكملاً للشرائع، ومنهجاً متكاملاً للإنسانية؛ لذا فإن سماحته في الكتاب يقدم لنا أول مصدر للثقافة وهو القرآن الكريم، ويبين لنا أهمية وضرورة التعامل الصحيح مع هذا الكتاب المجيد، والتعامل مع كلماته على أنها سماوية مقدسة، ويؤكد على: «أن القرآن الكريم وحدة متكاملة، كما هو حال الثقافة الإسلامية، فهي وحدة متكاملة، وأن الخلل في أي جانب من جوانب هذه الثقافة يؤدي إلى خلل في حياة الإنسان»، والمصدر الآخر الذي يبينه لنا سماحته هو السيرة المضيئة للمعصومين الأربعة عشر، وبما أن نصوص السيرة المطهرة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن بعده الأئمة المعصومين تحث جميعها على القيم الإنسانية النبيلة، وعلى الأخلاق والفضائل الإنسانية، بل نجدهم تجسيداً عملياً لتلك القيم، فإن الثقافة الإسلامية الحقيقية والصحيحة يمكن أن يجدها طالبها من خلال مطالعة هذه السيرة المضيئة والمشرقة.
وهنا نسأل، ونحن نعيش المعترك الثقافي على أشده: أين هي معالم الثقافة الإسلامية التي وصفناها بالحقيقية والمتكاملة على أرض الواقع؟ إن نظرة خاطفة على الحروب المدمرة التي تحاصر نيرانها شعوبنا الإسلامية وتزهق الأرواح يومياً تبين أن دوافعها وأسبابها في فقدان هذه الثقافة الصحيحة، وتسيد الثقافة التي حملت الإسلام اسماً وشعاراً وحسب. كما وإن سماحته يسلط الضوء على هذه النقطة المهمة والجوهرية.
لا شك أن الحديث عن الثقافة الإسلامية الصحيحة لا يسعه هذا الكتاب، لكن القارئ سيكتشف خلال مطالعته النقاط المضيئة التي من شأنها أن تساعده على المزيد من البحث، والتقصي في مصادر الثقافة التي تأخذ بيد الإنسان إلى الرشاد والفلاح، بحيث يشعر أنه يضع قدمه في طريق التقدم والسعادة.
وجدير بالذكر أن نادي أصدقاء الكتاب أسسته جمعية المودة والازدهار لتنمية النسوية هادفاً إلى تشجيع القراءة والمطالعة عبر غرس حب الكتاب وفائدته في المجتمع.
اضافةتعليق
التعليقات