ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) إنه قال: "القرآن عهد الله إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية" (١).
فعبارة "ينبغي" فيها تحفيز شديد للإنسان، لكون الإرتباط في كتاب الله أمر كله حَسن، بل ومن أحسن الإعمال التي لا يجدر بأي إنسان تركه او جعله شيء هامشي في حياته، وإنما المطلوب هو جعله من اولويات حياته.
إذ قال تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} (البقرة: 2)، فأن يوصف هذا الكتاب "بالهادي"، إشارة الى إنه بمثابة خارطة طريق لمن يريد أن يسير بسلامة في محطات رحلة حياته كلها، وبالمقابل يشير إلى خطورة هجرانه، فمن لا يعرف خريطة الطريق كيف له أن يعرف وجهته، أو يضمن الوصول بسلام، فهو سيكون ممن يسير بلا معرفة، يعيش التيه بكل معنى الكلمة.
لذا نلحظ إن هناك تدرج في علاقة الإنسان مع القران الكريم يبنيها نفس كتاب الله حتى لا يتعذر الإنسان فيقع في هجره لعهد الله تعالى اليه، منها:
اولاً: عدم الهجر على مستوى القراءة
قال تعالى: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ }(المزمل :20)، فهذه أدنى درجات العلاقة وعدم الهجران، فالآية عللت بإن الإنشغال بالحياة ومتطلباتها وصعوباتها قد تجعل الإنسان مشغول الفكر، إذن ليكتفي بالقراءة فقط، فهو أفضل من هجره وعدم قراءته نهائياً، فهو مؤثر في النفس.
فكما إن هناك أشياء هي جزء من حياته اليومية فعلى سبيل المثال نرى كيف إن تصفح مواقع التواصل التي قد تكون بلا قيمة عليا تُذكر إنها اصبحت جزء من حياتنا وإن كنا متعبين، او منشغلين لا نهجرها بالكلية، بل لابد أن ننظر فيها، ونعطيها من وقتنا! كذلك نحتاج أن نجعل علاقتنا مع كتاب الله-مع فارق القياس بكل تأكيد- ولو بهذا المستوى من التواصل والنظر فيه.
ثانياً: مستوى التلاوة
قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ}(البقرة:121)، وهذه درجة أعلى من الاولى فبها يحصل التدبر والتأمل والإنتفاع من البصائر القرأنية، حيث يقال أن معنى التلاوة هي من فعل (تلى) يعني التتبع، وجعل آيات القرآن الكريم هي البوصلة التي وفقها يتوجه ويحدد الإنسان من خلالها مساره، فآياته تكون أمامه وهو يأتم بها ويسير بعدها، ويتتبع ارشاداتها وتذكيرها وتوجيهها في كل مواقف حياته.
ثالثاً: مستوى الترتيل
قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (المزمل: 4)، هنا العلاقة أشد وأعمق وأعلى ففيها تجلي التعلق في كتاب الله عز وجل وهي مرحلة الأنس بكلام الله تعالى، وحب سماع خطابه لنا سبحانه وتعالى، لذا -كما يبدو- أتى هذا الفعل (الترتيل) عند الاستيقاظ في وقت السحر حيث الإتصال الحقيقي النابع عن حب ذكر الله تعالى فقط وفقط، وبه يتحقق إستشعار حقيقة أنه كلام الله وخطابه لنا.
__________
اضافةتعليق
التعليقات