إحدى خصائص الرسل الالهيين الذين يبعثهم الله تعالى للبشرية هي وجود الجنبة البشرية والغيبية فيهم والتي تجعل منهم يمثلون الانسان الكامل، كما في قوله تعالى في وصف رسوله الخاتم: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ...}(فصلت: 6).
فهناك جنبة الارتباط بالسماء وعالم الغيب، ووجوب العصمة وقابلية نزول الوحي عليهم، ولأن الله تعالى حكيم لم يجعلهم بلا جنبة بشرية فهو إنما أرسلهم للبشرية أي إن امتلاك الرسل للجنبة البشرية هي التي لا تجعل الإنسان الذي فيه ما فيه من النواقص يعترض ويجد صعوبة في إتخاذهم كقدوة له.
كما يبررون البعض بأن كمال الرسل وعصمتهم تجعلهم غير قادرين على التأسي بهم والاقتداء بسيرتهم! بينما الأصل هو إن الاقتداء السليم يكون بمن هو كامل، والتشبه يكون بمن لا عيب فيه، فهذا مقتضى ما ترتضيه كل فطرة سليمة.
أما من لا يتقبل ذلك كما في قوله تعالى: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} (الفرقان :7)، تعالى رد على اعتراضهم هذا بقوله: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ۖوَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ} (الانعام:8)، فهم حتى وإن كانت الرسل من الملائكة أي ليسوا من البشر لن يذعنوا لأنهم أصحاب قلوب مقفلة وفطرة ملوثة، وبالتالي سينزل عليهم العذاب الذي فيه هلاكهم.
بالنتيجة فإننا نتمكن أن ندرس شيء من سيرة رسول الله ونتعلم ونأخذ منها ما يجعل محيانا محياه صلوات الله عليه وآله.
حيث سنتطرق لآية كريمة تتحدث عن وجه من أوجه سيرته صلى الله عليه وآله وما يرتبط بشيء من علاقته بالله تعالى، قال تعالى في محكم كتابه: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ○فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ}(الحجر:97)، حيث لم تقل الآية أن النبي الخاتم (أَعلَمَ) الله تعالى بلسان المقال بما فيه من ضيق وألم وأذى من إمته مما يقولون وما يصفون، بل قالت الآية(نَعْلَمُ) أي أن النبي الأعظم لم يُبدي الشكاية.
وفي حدود فهمي إن ذلك يشير إلى:
اولاً:-علو درجة تأدب النبي(صلى الله عليه وآله) بحضرة ربه العالم بكل الأحوال فلم يتكلم بما فيه.
ثانياً:-علو درجة التسليم والرضا الذي يحمله فؤاد النبي (صلى الله عليه وآله) بما عليه جاري.
ثالثاً:- أن كون النبي رحمة للعالمين يستوجب أن يكون من المتألمين لحال من يؤذونه (بما يقولون) ومن المشفقين عليهم لا من المشتكين منهم، وهذا السلوك كاشف عن سعة صدر النبي وسعة رحمته بالمسلمين مع كل ما صدر من أذى منهم تجاهه.
لذا تعالى بالمقابل يعطينا مفتاح من المفاتيح التي كان يملكها النبي (صلى الله عليه وآله) الذي جعله هكذا وبهذه الروح الانسانية العالية وهو" التسبيح" و"السجود".
فهذا مفتاح لنا إذا ما أوذينا أو صدر أذى من أحد تجاهنا أن نُبدل الشكاية عليهم بالتسبيح والسجود، فكما نعلم:
إن "التسبيح" يعني التنزيه أي يتنزه الإنسان ويترفع عن التفكير عن كل أذى وألم يصيبه أو ابتلاء دنيوي من الاخرين بقصد أو عن غير قصد، بالتفكير بعظمة الخالق عبر تسبيحه جل وعلا.
وإن في "السجود" تقرب من الرب العلي فينشرح الصدر بذلك، وتسكن النفس ويطمئن القلب فلا يحمل بعد ذلك صدر الانسان من الحقد أو الغضب تجاه من آذاه، بل يكون صدره-بالمقدار المستطاع- كما كان صدر النبي (صلى الله عليه وآله) يحمل الرحمة لهؤلاء، فيدعوا لهم لا عليهم، ويشفق عليهم لا أن يفكر بالرد عليهم بالمثل.
رزقنا الله تعالى رشحة من رشحات رحمة نبيه وإنسانيته..
اضافةتعليق
التعليقات