تعيش دول العالم تجربة غير مسبوقة في إطار الحرب ضد فيروس كورونا المستجد. ورغم أن الخروج من هذه الأزمة مايزال يبدو بعيد التحقق، فإن الأثر النفسي والاجتماعي للوباء أضحى جليا وسيستمر كذلك حتى بعد عودة الحياة إلى طبيعتها. هذه الجائحة التي غزت العالم بين ليلة وضُحاها وغيرت مفاهيم كثيرة وعادات وتدخلت في رسم خارطة الطريق المقبلة للعالم.
مئات الملايين من البشر في حالة من العزل الإجباري وفرض حظر التجول من أجل التصدي للفيروس، ويترقبون متى ينتهي هذا الحجر، كما أثر كورونا على الحياة الإجتماعية والاقتصادية في العالم. أُغلقت المقاهي والمطاعم ودور السينما والحمامات والمساجد أبوابها، المستقبل مجهول لما بعد كورونا ولا أحد يعرف ماذا تخبئ له الأيام المقبلة ولا يعلم أحد من علماء العصر ما الحل وما الدواء وكيف الخروج من ظلمة كورونا وغياهب تركيبته الجينية المستعصية حتى اللحظة.
غيرت هذه الفترة حياة الكثير وأدخلت عادات جديدة واكتشفت أمور كانت غير واضحة المعالم، أصبح التدريس عبر الانترنت واللقاءات عبر الموبايل وسمحت بعض المؤسسات والشركات الكبري لموظفيها بالعمل من المنزل عبر الانترنت، تغيرت اهتمامات العالم فبعد أن كانت أخبار الحروب تغزوا الشاشات ماعاد لهذه الأخبار متابعين ولاعاد اهتمامات العالم سابقاً كما اليوم.
توقع تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية أن شكل الحياة في المرحلة التي ستعقب انتهاء الإغلاق العالمي الذي تسبب به فيروس كورونا سيكون مختلفا عما كان عليه قبل الجائحة، وعلى العالم التعود عليه.
الجميع يتساءل كيف سيكون العالم بعد كورونا؟ وهل سترجع الحياة طبيعية كما كانت قبل كورونا؟
تساؤلات حاولنا أن نبحث عن اجاباتها بين الناس وكانت الاجابات متفاوتة كلا حسب وجهة نظره:
مستقبل الغرب مختلف عن الشرق
رأى الأستاذ علي أحمد هاشم مدرب تنمية بشرية:
في ظل الظروف الحالية سيكون الاستشراف مبهما من جانب وواضحا من جانب آخر خصوصاً في الدول الغربية أمام الشرقية فالاتحاد الأوروبي سيكون أمام تفكك دولي، أيضا سيكون التركيز على الجانب الصحي والاهتمام بمدخلاته أكثر، ستعاد كفة القوى السياسية والاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا، أما في الشرق سيدفع الدول العربية إلى الاعتماد الذاتي بالموارد الأولية وتحصين داخلها والانكماش للداخل دون الخارج، وهذا يجعل الواقع أكثر ضعفا بسبب غياب التخطيط والسياسات الواضحة.
نقطة تحول
يرى الاعلامي حيدر السلامي أن حدث فايروس كورونا هو نقطة تحول للبشر وقال:
تعد الأحداث الكبرى نقاط تحول في المسيرة التاريخية للبشر، ولا شك أن العالم بعد كورونا غير العالم قبله.. هذا الفيروس السفاح الذي يتحرك بكل حرية ويتنقل من مكان لآخر دون رادع أو مانع حصد الآلاف ويتوقع أن يبيد الملايين من الأرواح ويمثل اليوم أكبر خطر على الإنسان..
نعم بالتأكيد سيلقي بظلاله على كل الحياة. سيكشف عن وجه آخر للعلاقات الدولية ويغير منحى الدبلوماسية والحروب الجديدة ويغير مؤشرات المال والأعمال.. سينتج وعيا صحيا ونفسيا ويحول المسارات في خضم معركة البقاء مع الطبيعة.
سوف يغير نظرة الإنسان للخالق وللطبيعة ولنفسه وسيبني حضارة بحجارة جديدة وعمارة جديدة ويعيد رسم الخرائط السياسية والجغرافية والاقتصادية ويرمم ما بقي من شظايا الروح الحالمة بعالم أكثر استقرارا وأقل ترحا وقلقا. هذا ما فعلته الحوادث الكونية الكبرى كالطوفان والطاعون والحربين العالميتين وغيرها من الكوارث والأوبئة.
حسب الثقافات
واقترح الكاتب والاعلامي علي داود النواب للعودة إلى التاريخ لقراءة التجارب السابقة وقال:
"أعتقد أن العودة لقراءة التاريخ فيما يخص المحن و الحروب والأوبئة التي على البشر، والتعرف على مدى التغيير الذي طرأ على المجتمعات بعدها.. سنتعرف فيما اذا كان هناك أثر يطرأ على هذه المجتمعات كلا حسب ثقافاته وأنماط حياته".
حسب الاصابات
بينما يرى المهندس حازم السماك أن التغيير سيكون حسب الاصابات والخسائر، وقال:
" إن هذا الأمر مرهون على حسب الاصابات والخسائر الروحية التي سيتسببها هذا الفايروس اللعين فإن كانت الخسائر الروحية كبيرة وان استمر هذا الوباء مدة طويلة ستكون له عقائب وخيمة ولا أظن سترجع الحياة كما كانت، وإن كان العكس فنحن معتادون على الأزمات وسنخرج منها وكأن شيئا لم يكن".
لانرغب بعودة الحياة
تساءلت طيبة الصافي "فاحصة بصر" : هل نرغب بعودة الحياة كما كانت؟
برأيي الشخصي نحن لا نريد عودة الحياة كما كانت بل نريد حياة أفضل من قبل، يجب أن نتعلم من أخطائنا ومن عاداتنا الخاطئة، أبسط مثال النظافة وسبل الوقاية التي هي ليست من اهتماماتنا ولم نتخذها بجدية كالذي يحصل حاليا من جراء فايروس كورونا وهذا مؤشر ايجابي وسبب رئيسي بعدم رغبتنا بعودة الحياة السابقة فنحن نريد حياة أفضل.
يجب أن نتعظ من أخطائنا السابقة لبناء حياة مختلفة بعد كورونا فالجميع متفق على أن المجال الصحي جدا مترهل ولولا مشيئة القدر لشهد العراق اعظم كارثة انسانية بسبب المجال الصحي الغير متطور، عدم وجود مستشفيات كافية والمستشفيات الموجودة غير مجهزة بكافة المعدات، هذا بسبب تهاون الطبقة السياسية فيما يخص المجال الصحي الذي هو حلقة من سلسلة اهمال، فحتى عندما تنتهي الأزمة لن نرجع مثل السابق، يجب أن نرتقي بأنفسنا أولا وببلدنا ثانيا.
لاشئ سيتغير
المحامية عهود البديري: سوف ترجع الحياة لطبيعتها وان شاء الله رب العالمين يزيح هذه الغمة عن هذه الأمة، إنه اختبار رباني.
نقترب من النهاية الكونية
واتجهنا إلى الشيخ نزار التميمي لمعرفة رأي الجانب الديني حول الحياة بعد فيروس كورونا وكان جوابه:
"أولاً نسأل الله أن يتمم عبور هذه الأزمة لأنه لا زالت الأخبار غير واضحة من جهة انتهاء الأزمة للجهل بأسبابها الحقيقية، حتما قد تتأثر الحياة إقتصاديا لكن إجتماعيا وسياسيا أستبعد، كون الإنسان بطبعه ينسى وسرعان ما تمتلكه الغفلة فيعود إلى ما كان عليه قبل البلاء وكورونا للأسف الشديد.
شيء آخر حسب توقعاتي أن هناك عدد من المصاعب المتوقعة بعد هذه الأزمة لأننا أصبحنا نقترب إلى حد ما من النهاية الكونية، وطبيعة هذا الاقتراب يقتضي المشاكل والقلاقل إلا ما رحم الله تعالى. وعلى فرض أن الأزمة ستعبر فكما قلت الناس لا يتعظون وفي الغالب للأسف سرعان ما ينسون.
الخاتمة..
بعد ان أطلعنا على آراء الناس حول الحياة بعد جائحة كورونا لايسعنا القول سوى لكل بداية نهاية ولكل سفينة مرسى وبعد عتمة الليل لابد أن تشرق الشمس، هذه هي سنة الكون.
كل ما يشغل شعوب العالم هذه الأيام هو علاج أو لقاح لفيروس كورونا المستجد، للخروج من هذا النفق المظلم الذي وضع فيه سكان العالم جبرا من جراء فايروس لا يرى بالعين المجردة وغير مفاهيم العالم بأكملها، يجب أن تكون أزمة فايروس كورونا هو باب لتغيير جميع العادات السيئة السابقة وقبل كل شيء نبدأ بأنفسنا تغيير جميع العادات الصحية والإجتماعية الخاطئة والاستمرار على العمل بها حتى بعد انتهاء جائحة كورونا، على حكومات الدول أن تكون مستعدة لقيادة الأزمات وبحسب الخبراء والمتخصصين أن أغلب دول العالم أثبتت فشلها في قيادة أزمة كورونا، لذا عليها التأهب دائما للتصدي إلى الأزمات والأوبئة والمحن لا يكون تركيزها صوب الحروب فقط فهنالك حروب أقوى وأشرس كما حدث مع كورونا، وأيضا على الحكومات أن تهتم بجميع الجوانب الصحية والثقافية والاجتماعية والتربوية لكي تكون على أتم الاستعداد للوقوف بوجه أي أزمة في أي مجال. وإن انتهت هذه الأزمة بإذن الله ولم نغير أي شيء من حياتنا ستكون هذه الخسارة الكبرى، نسأل الله أن يخلصنا من هذا الوباء بأسرع وقت.
اضافةتعليق
التعليقات