ليلة الخامس عشر من رمضان من المناسبات العظيمة للمسلمين، وفيها تحيا طقوس وعادات جميلة أصبحت اليوم أقرب إلى الإندثار ألا وهي؛ الإحتفال بالماجينة ليلة ولادة الإمام الحسن "عليه السلام" تلك الليلة ليلة عظيمة، وكان الأحتفال بها من إحدى العلامات المميزة والنكهات الجميلة لشهر رمضان في العراق وبعض الأقطار العربية.
ويعد كرنفال الماجينة ومع اختلاف مواعيدها وتسمياتها لديهم الآن مضمونها واحد عند الجميع حيث طالما اعتبروه يومُ للكرم والعطاء والتواصل فيما بينهم. وهو تقليد ساري الموروث الشعبي من المميزات الفلوكلورية في شهر رمضان، حتى إن الأطفال ينتظرونه بفارغ الصبر ويتهيئون لتلك الليلة.
وقد ذكرت بعض الروايات أن تلك الطقوس وفرحة الاحتفال بولادة الإمام الحسن عليه السلام جَرت على عهد النبي محمد "صلى الله عليه وآله" فعند ولادته توافد الكثير من المؤمنين لتهنئة رسول الله بالولادة الميمونة وسرت بعد ذلك العادة في توزيع الحلوى للإحتفال في تلك الليلة المباركة.
ويقول أحد الباحثين في تراث وفلكلور الشعوب أن أصل كلمة الماجينه هي (لولاك ما جئنا) وهي الكلمة التي كان يرددها أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) وبعض المهنئين عند زيارتهم دار الإمام علي (عليه السلام) لتهنئتهِ بمناسبة ولادة الإمام الحسن في ليلة النصف من رمضان.
ثم توارث الأجيال الاحتفال بتلك الليلة تشارك فرحة الرسول وآل البيت بالولادة الميمونة. حيث يخرج الأطفال في طرقات الحي يحتفلون بذلك على شكل مجموعات هو كرنفال: رمضاني شعبي يقوم به أطفال المحلات من صبية وبنات حيث يجتمعون ويدورون على بيوت المحلة، والمحلات وهم مرتدين ملابس جميلة وبعضها تراثية للزيارة ينشدون الأناشيد الشعبية الرمضانية:
ماجينه.. ياماجينه
حلي الچيس وانطينا
تنطونا لو ننطيكم
بيت مكة انوديكم
رب العالي ايخليكم
فيجود أهل الدار عليهم ويكون الرد من قبل الناس لفرقة (الماجينه) غالبا ما يكون بأنواع من الحلوى مثل (الزلابية، البقلاوة، الملبّس، الزبيب) وإذا تأخر صاحب الدار عن الرد فإن الصبية يرددون (يا أهل السطوح تنطونه لو نروح ؟) وعندها يضطر صاحب الدار أن يعطيهم بعض المال بدلا من الحلوى إذا كانت غير متوفرة لديه.
وعندما يمنحهم الهدية فإنهم يتغزلون بابنه الكبير أو الأصغر بين أخوته ويختمون الأنشودة أو الأهزوجة بمقطع ينشده قائد المجموعة بقوله (الله يخلي راعي البيت) ويردد بعده باقي أفراد المجموعة (آمين) ليعود القائد ويقول (وبجاه الله واسماعيل) (امين) هكذا يردد بعده أفراد مجموعته.
وإذا امتنع صاحب الدار عن اعطاء الهدية أو فتح الباب فإنهم يرددون (يهل السطوح تنطونه لو نروح؟) وإذا يأسوا من الموجودين داخل الدار يختمون وقوفهم أمام ذلك الدار بالقول (ذبوا علينه الماي ذوله أهل الفكر) من باب المزاح مع أهل الدار، والأصل في ذلك أن صاحب الدار إذا لم يستطع أن يقدم لهؤلاء الأطفال شيئا فإن أولاده يرشون الماء دلالة على الخير والبركة خصوصا إذا كان فقيرا أو ذوي الدخل المحدود.
وفيها يجتمع أطفال الأحياء ويتنقلون علي شكل مجموعات من دار إلى دار في الحي. وتشاركهم الجدات، والأمهات فرحتهم بتحضيرات أخرى تليق بفرحة ذلك اليوم فهن يستعدن بتحضير الحلوى في (أواني الحلوى) الكبيرة المملوءة بلبقلاوة والزلابية، وبعض العوائل، تجتمع وتحتفل، وتبادل الحلويات مع الجيران، بحيث أصبحت عادة متوارثة نحيًها في ليلة الخامس عشر من رمضان، فهو فلكلور شعبي يحييه الكبار قبل الصغار، ويكاد يكون إحدى العلامات المميزة والنكهات الجميلة لشهر رمضان في العراق.
ويبقى هؤلاء الصبية بانتظار صاحب الدار ليفتح لهم الباب كي يبدؤوا بإلقاء نشيد (الماجينه) يُصاحب ترديد الأنشودة الطرق على الطبول والنفخ في الأبواق الصغيرة التي أعدت أيضاً لهؤلاء الأطفال ويحرص البعض اقتنائها وشرائها من الباعة. ثم يدخلون باحة الدار تدريجيا.
ويذكر بعض الرواة عندما ولد الحسن (عليه السلام) قالت فاطمة لعلي (عليهما السلام) سمه فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله صلى الله عليه وآله فجاء النبي "صلى الله عليه وآله" فأخرج إليه فقال: اللهم إني أعيذه بك وولده من الشيطان الرجيم وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى.
وفي أسد الغابة عن أبي أحمد العسكري سماه النبي صلى الله عليه وآله حسنا ولم يكن يعرف هذا الاسم في الجاهلية. وفيما تحرض الشعوب الأخرى على الحفاظ على تاريخها وموروثها الثقافي نحن أهملنا بعض تلك المناسبات والطقوس الجميلة وبدأ هذا الموروث الجميل بالإندثار ولا يحييه أولادنا اليوم؛ لعدم تشجيعنا لهم بإحياء تلك الطقوس الجميلة التي حرص العراقيين منذ قديم الزمان للإحتفال بتلك المناسبة على اختلاف مذاهبهم وقومياتهم. فهي موروث عقائدي وشعبي، إضافة إلى نكهته الجميلة التي تضاف إلى شهر رمضان.
للمحافظة على تلك العادات والتقاليد مهارة يجب أن تتقنها الأمهات، ويحرص على تشجيعها الآباء، وممكن اضافتها لبعض البرامج الاعلامية والدعائية من خلال بعض البرامج، لكي تحييها الأجيال فالكثير من تراثنا بدأ بالإندثار بسبب عدم الإهتمام بتلك المناسبات، وتركها والعذر هو زمن العصرنة.
أسعد الله ايامكم أحبتي بمولد سبط الرسول الأكبر صلى الله عليه وآله الامام الحسن المجتبى (عليه السلام).
اضافةتعليق
التعليقات