قرأتُ ذات مرة قصة مفادها: (كان هناك فيلاً واقع في ورطة حجمهِ الكبير، ولم يستطع أن يجد شيئاً مناسباً لمقاسه كي يرتديه في العيد، بقي في بيته حزيناً مهموماً لعدة أيام، افتقدته الحيوانات واتفقت جميعها على زيارته والسؤال عنه، ولما علموا بالمشكلة حزنوا من أجله وقرروا المساعدة، فأقترح أحدهم بأن يجمعوا من ثيابهم وأقمشتهم ثم يفصلونها ويعيدوا تصميمها من أجل صديقهم الفيل، وفعلا حدث ذلك واشترك الجميع بالمبادرة وحُلت مشكلة الفيل وفرح فرحاً شديدا، كما فرح أصدقائه لفرحه...).
ربما في نظرنا نحن البالغين الممتلئين بالواقعية ذات أسود المنطق وأبيض المستحيل والممكن، نراها قصة عادية وتافهة وغير مبهرة وأن الحيوانات لا ترتدي ثياب وأنها في الغالب لا تتعاون إلا مع صنفها ونوعها المشابه.
ولكن لو نظرنا إليها من وجهة نظر طفل بعد أن نقرأها عليه، سنكتشف لون القماش واحتمالية الفصالات وربما لشاركناهم بالخياطة أيضاً ولفضلنا له البنطال ذي الشيالات على البنطال العادي لصعوبة إيجاد الحزام بالطول المناسب..
والأهم من ذلك كله مجرد جلسة ممتعة للطفل في حضن أمه وسرد قصة كهذه، قادرة على أن تخرجه بمعطيات لن يتقبلها ربما لو تليت عليه كدرس أخلاقي أو محاضرة تربوية مملة.
إنها قادرة على أن تعطيه درس في التعاون والتعاطف مع مشاعر الآخرين وإمكانية مساعدتهم لزوال الحزن عنهم، ودرس في التكافل الاجتماعي والاخلاقي، ولطف التعامل ونبذ الاختلاف، وتقبل الآخر ومساعدته حتى مع وجود الاختلاف وغيرها الكثير من الدروس التي سترسخ لا إرادياً في ذهنه اللاواعي ليستعيدها لاحقاً عندما يعترضه موقف مشابه.
نعم إنه سحر القصة والتربية بالقراءة، حيث أثبتت التجارب والدراسات أن التربية بالقراءة القصصية أثر ووقع أعمق مما لو تم تلقين الدروس والأخلاقيات شفهياً.
يعني أن تقرأ على الطفل قصة فيها تعاون سيفهم المبدأ بل ويستشعر أنه شارك معهم في تطبيقه أكثر مما لو أخبرته عن التعاون وضرورة مساعدة الآخرين وغيرها من قائمة التوجيهات المملة والتي لن يفهمها في الغالب إلا بعد فوات الأوان.
الكثير من الآباء والأمهات، لن نستثني في التربية الآباء فهم جزء من هذه العملية وليست حكرا على الامهات أو من اختصاصهن فقط، الكثير منهم يستثقل أو لا يعير أهمية لقراءة القصص للأطفال يوميا أو بشكل مستمر ويرى أنه ليس هناك ضرورة تستدعي لهكذا التزام وعبئ إضافي يومي يُضاف إلى جدول أعماله المزدحم، وخصوصا أن الأطفال يعتادون الأمر بسرعة فيتعلقون ويطالبون به كل ليلة.
ولكن رغم ذلك هو تعب محمود وذو ثمار عظيمة أبسطها قرب المسافة بين الطفل ووالديه وتوثيق العلاقة بينهم، تحسين لغة الطفل وتوسيع خيالاته وتأملاته وأحلامه، وقدرته على التفكير وتحليل الأمور، المتعة والفائدة التي يلتمسها بين ضفتي كتابه القصصي قد تغنيه أو تبعده عن شاشات الأجهزة الالكترونية، قد يتخذ منها عادة فترافقة القراءة للكبر.
نتائج التربية بالقراءة القصصية جمةٌ لن تؤتي أُكُلها بأي طريقة تربية أخرى مهما تطورت أو تعددت..
اضافةتعليق
التعليقات