تراودني افكار كثيرة حول هذا العشق الالهي وتنتابني التساؤلات كثيرا، هل من المعقول كل هذا العشق لشخص لم نراه يوما، فقط هي الاحاديث والاقوال عنه ماورثناه، سواد، شعائر، نحيب وبكاء وقلوب يعتصرها الألم، هل كل هذا من العدم ام ان تلك الروح تسكن فينا فنجد اننا فقدنا اعز ما نملك..ان تكون حيا بقلب احدهم، حاضرا برأسه ورائحة كرمك تفوح في ثنايا المكان فذلك نوع اخر من الحياة العظيمة، لانك ببساطة تحيا بروحين، جسدين، قلبين وربما حياتين، هل من الممكن ان يولد كل هذا من عشق واحد.
مازالت هتافات ابي تتسارع الى رأسي مع قدوم هذه الايام من كل عام وهو يرحب بزوار ابا عبد الله الحسين، بل ان كلمته التي قالها ذات مرة قد رسخت في ذاكرتي وادركت من حينها نحن لانملك شيء في هذا المكان حينها اخبرني انها ارض الحسين ونحن جالسين فيها فكيف بنا ان لانخدم ضيوفه، ادركت منذ ذلك الحين ان حب الحسين ليس مجرد اقاويل او هتافات بل هو عشق قابع في الاعماق وربما ليس موروثا كما يقول البعض انهم ورثوه عن ابآئهم بل هو يولد مع ولادة القلب لكل شخص قد حباه الله فأرسل حب إمامه بقلبه فحب الحسين هو قبس من العشق الالهي..
ان هذه الايام هي الفرصة الزمانية التي تكون فيها اصوات الحرب قد انتهت وبدأت لغة العقل والقلب، لغة التأمل والفكر تجتمع كلها تحت راية هذه المسيرة الالهية مصحوبة بلغة الحزن ولملمة الثورة وطرحها بثوب يهبها الحياة ويرسم على محياها السلام بدلا من الموت والامل بدلا من اليأس والحركة بدلا من العجز ويرفع بها حرارة الثأر بدلا من الجلوس بالانكسار فهي اربعينية إحياء وبعث وليست اربعينية وفاة ونهاية بل فيها يتجدد الولاء والولادة، قال تعالى: {ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء ولكن لاتشعرون}. فتكون هذه الزيارة زيارة روح اكثر منها بزيارة الجسد، زيارة تشحن الامة بروح التغيير وصرخة واضحة المعالم الى كل الطغاة وترسيخ معنى الايمان الحق وتبقى منبعا دفاقا لايعرف الجفاف ابدا، فهي ليست مجرد زيارة مبدأ بل هي وقوف الحق ضد الباطل لتصوير مدى بشاعة الظلم الذي بات وحشا بوجه بشري يسعى لنهش كل من يقول له: لا.. وحوش ليس لها قدسية سوى غرائزها الحيوانية فتفعل كل شيء لترضي غرورها ومثل هذا الطريق يخبرنا بأن الحسين قد ارسل لنا رسالة عبر الزمن مفادها لا للظلم ولا للخضوع تحت رايات الانكسار، اما الحياة بكرامة او لاخير فيها وفي النهاية لاينتصر سوى الحق.
وابرز مثال هو نصرة الدم على السيف فها هو الحسين عليه السلام ذكراه تملأ القلوب قبل الافق ولكن اين ذكرى الطرف الاخر اصحاب الظلم والسيف العاصي، لاذكر لهم بل كل ماسمعناه هو لعنات متتالية، انه طريق الله السائر به جاء من تلقاء نفسه ولم يجبره احد على ذلك فهو يرى التقرب الى الله بهذا المسير، واجمل مايحتويه هذا الطريق هو علاقة الاخوة والايمان الصادقة دون شائبة التي تحدث بين الزوار فتستمر عبر التواصل والتزاور بينهم حتى بعد انتهاء مراسيم الزيارة وعودتهم من كربلاء، وحتما علاقات كهذه ستكون مباركة وناجحة لأبعد الحدود لان البيئة التي نشأت بها كانت صالحة ومباركة ففي هذه الزيارة تنعكس اخلاق الحسين عليه السلام فتتحول نفوس الناس الى نفوس ملائكية ويتنافسون فيما بينهم على كل خير وصلاح ويتسابقون في العطاء وخدمة الناس وهذا دليل على ان قوة وعشق الحسين كالشمس لاتنطفئ ولااحد يستطيع ان يقيم بينها وبين الناس حجابا او حاجز فالحسين صوت يتحدى الدهر..
اضافةتعليق
التعليقات