أكدت الباحثة ليزا جرينيه، المستشارة الأسرية والمدربة التابعة لمؤسسة التربية بالحب والمنطق الأميركية Parenting with Love and Logic أن هناك ثلاثة أنواع من أولياء الأمور، وعلينا كآباء وأمهات أن نتعلم عنهم ونعلم أي نوع نحن؛ فهناك ولي الأمر الهليكوبتر، الذي يتصرف كطائرة الهليكوبتر الخاصة بالطوارئ التي تزوم وتدور حول الأبناء دون ملل ودون انقطاع طوال الوقت، ظناً منه أن كل وظيفته في هذه الحياة هي حماية أطفاله من هذا العالم الشرير، هو دائماً معهم ولأجلهم، لكنه يرسل بتصرفاته رسالة غير مباشرة للأبناء أنه لا يمكنهم الاعتماد على أنفسهم والعيش بدون ولي أمرهم أبداً، فهو دائماً يتحمل أعباءهم ويحل مشكلاتهم، ويتخذ القرارات بدلاً منهم ويبرر لهم أخطاءهم طول الوقت، ولا يمنحهم فرصة الخطأ للتعلم وتحمل عواقب اختياراتهم، والمحصلة النهائية أجيال لا تعرف المسؤولية مهزوزة الشخصية غير مسؤولة، تنمحي لديهم الجرأة على اتخاذ القرارات، خوفاً من العواقب، وغير ذلك.
ولي الأمر من هذا النوع تنهكه المسؤوليات العديدة التي عيّن نفسه لها، فهو دائم الشكوى من المسؤولية المتضاعفة والتي كلَّف نفسه بها لا شعورياً، وينتهي به الأمر بالشعور بعدم التقدير، الذي تلخصه دائماً جملة من نوع: "بعد كل ما فعلته من أجلكم تفعلون كذا وكذا..".
أما النوع الثاني من أولياء الأمور فهو ولي الأمر الحفار، وهو ولي الأمر الذي يطلب منك الشيء ويُملي عليك الطريقة التي تفعله بها، سليط وكثير الأوامر، ولا يعطي لأطفاله فرصة تدارك الخطأ وإصلاحه؛ لأنه دائم اللوم لأطفاله، ولا يترك لهم حتى فرصة الشعور بالذنب أو الخطأ؛ لأنه يملي عليهم مشاعرهم وكيف عليهم أن يشعروا إزاء كل شيء، يريدهم أن يفكروا بعقله ويتصرفوا بطريقته حتى يمكنهم الإنجاز والتفوق، وغالباً ولي الأمر من هذا النوع، والذي على لسانه عبارة: "افعل الشيء حالاً أو الآن"، لديه توقعات عالية وغير منطقية من أطفاله، فدائماً ما يحبط نفسه بتلك التوقعات وينتهي به الأمر دائماً إلى التهديد والوعيد؛ كي يتم إنجاز ما يريده حتى لو عن طريق العقاب، أو الإهانة والتهديد والكلام الجارح.
النوع الثالث والأخير هو ولي الأمر المستشار الذي يوجّه فقط، يعطي التعليمات والتوجيهات فقط، ويترك الأبناء في حقل التجربة العملية، يتركهم لتجربة الأمور بأنفسهم، ويعلمهم اتخاذ قراراتهم بأنفسهم ويعلم أطفاله تحمل تبعات اختياراتهم بينما هو يستعرض الخيارات المتاحة أمامهم فقط، ولا يتحمل مسؤولياتهم بدلاً عنهم، مما يقلل الشعور بالذنب وتأنيب الضمير، أو الشعور بالتقصير تجاههم.
استبدل عباراتك بعبارات من ذهب
على طريقة قُل ولا تقُل ستتمكن من جعل أبنائك شركاء في المسؤولية بأقل قدر من الأوامر والتهديدات، فعلى سبيل المثال:
- لا تقل: "اخفض صوتك وأنت تحدثني".. قل: "سأستمع لمن يحدثني باحترام".
- لا تقل: "انتبه لما أقول"، قل: سأكمل حديثي مع مَن يستمع.
- لا تقل: "نظف غرفتك أو رتّب حجرتك أو قُم بما كلّفتك به من أعمال منزلية"، ولكن قل: سأكون سعيدا أن أصحبك للتنزه أو لزيارة الأصدقاء أو شراء لعبتك المفضلة بمجرد انتهائك من.. أو من سيتناول الآيس كريم هو من فعل كذا.
علّم أبناءك أن يتخذوا قراراتهم بأنفسهم:
الحياة مليئة بالقرارات والاختيارات، ولن يتعلم أطفالك المسؤولية لاتخاذ القرارات إلا إذا تم تعويدهم على ممارسة حرية الاختيار حتى لو كانت خياراتهم بين أشياء بسيطة في البداية، فعلي سبيل المثال: "في أي مكان ترغب التنزه الحديقة أم المول؟"، "أي الفساتين أعجبك الأزرق أم الأحمر؟"، "ماذا تريد أن تفعل أولاً أن تستحم أو تتناول طعامك؟".
كآباء وأمهات لن نستطيع ممارسة لعبة الاختيارات طوال الوقت، ولكن يمكننا ممارسة ذلك في بعض الأوقات خصوصاً عند استشعار تمرّد الطفل أو رغبته في التغيير..اسمح له بالتغيير، ولكن حدّد له الخيارات المتاحة، يمكننا أيضاً استخدام لعبة الخيارات في حال أردنا إنجاز الأمر بشيء من السرعة في حين معرفتنا المسبقة برفض الطفل للأمر.. فعلى سبيل المثال: "لا تأمر الطفل بالأمر المباشر وأنت تعلم أن الطفل سيرفض ويقاوم مسبقاً فلتقل: هل ستغسل أسنانك بالفرشاة الخضراء أم الحمراء؟" بدلاً من "اغسل أسنانك".
قد يكون الطفل عنيداً أو متحذلقاً فلو قال: "لا هذا ولا ذاك"، فقُل: "حسنا هذا لطيف.. أحب روح الدعابة!"، وإن تأخر في الاختيار "فاختَر له أنت".
البلطجة
أكثر الأشياء التي يعاني منها أبناؤنا هذه الأيام هي مشكلة بلطجة الآخرين Bullying، وطريقة رد الفعل تختلف على قدر الأذى، فلو كان التعدي لفظياً يمكن التجاهل أو الابتعاد عن الشخص الذي يؤذي الطفل، خصوصاً لو كان أذى غير مباشر ويمكنه إبلاغ المُدرسة أو ولي الأمر للتصرف حيال ذلك، بالطبع هذه الحلول لن تجدي مع الطفل الأكبر سناً، والذي عليه تحمل مسؤولية نفسه أو تعليمه أن يتحمل مسؤولية نفسه، لذا الأمر يختلف لو جاء يشكو ممن تعدى عليه لفظياً، ولتكن استجابتك الأولى أن تلقي إليه المسؤولية، فيكون الرد: "وماذا ستفعل حيال ذلك؟"، واستعرض معه الأفكار والحلول ولا تُملِ عليه ما يفعله فقل: "أوتريد أن تعلم كيف تصرف أحد أصدقائي لما كان مكانك؟"، وبالطبع سيكون مستعداً لسماع نصيحتك، بعدها قل له: "استطاع فلان أن يصرف عن نفسه الأذى لما شتت من ضايقه.. من يتعدى عليك لفظياً هو فقط يريد إثارة مشاعرك وغيظك، وهذه هي لعبته التي سيكسبها بهذه الطريقة.. فلا تغضب حتى لا يتمكن من الفوز عليك؛ لأنه أغضبك.. فلو قال لك ما هذا القميص البالي الذي تلبسه فلتقل: أو حقاً هو بالٍ.. أشكرك على ملاحظتك.. لو قال نظارتك قديمة.. فلتقل أو حقاً؟ شكراً لاهتمامك أن تنبهني.. ويمكنك استخدام عبارات المجاملة العابرة مثل: شكراً.. هذا لطيف منك.. أنا ممتن لك!
تذكر "ادفع بالحسنة السيئة فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم"، لو كان الأمر يصل للتعدي البدني، فممارسة الرياضة والألعاب القتالية تكسب الطفل الثقة بالنفس والرضا عنها بأي حال من الأحوال، ولن يتوقف هؤلاء إلا بالصد.. الحق يحتاج دائماً لقوة تحميه.. ليس معنى أنك شخص طيب أنك شخص ضعيف.
الغضب
من أصعب الأشياء التي لا يمكننا السيطرة عليها هي الغضب، الذي إن لم نسيطر عليه سيطر علينا.. أهم التقنيات الناجحة في علاج الغضب هو تقنية النفس العميق.. شهيق طويل.. احبسه حتى يملأ صدرك الهواء، ثم زفير طويل، كذلك تأجيل رد الفعل لمدة ست ثوان كاف جداً لخروج رد فعل متوازن.
قم بالعد حتى عشرة.. فكر بشيء أسعدك خلال اليوم، ركز على الجانب الإيجابي..أو ردد مقطعاً صغيراً من أغنية، أو تغنّ بجزء حفظته من كتابك المقدس.. فقط لا تغضب، وتذكر قد تفشل في المرة الأولى، لكن ستتعلم بالممارسة وستفعلها.
اضافةتعليق
التعليقات