في صباح يوم الخميس، وأنا أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي كعادتي كل صباح لمتابعة الأخبار الثقافية والاجتماعية، لفت انتباهي خبر كان من الترندات العربية: أستاذ جامعي في محافظة تكريت يقتل حارساً أمنياً دهساً.
بحثت في أكثر من مصدر موثوق لتأكيد الخبر، نعم كان الخبر مع الأسف الشديد صحيحاً. في أول سؤال تبادر إلى ذهني: ما الذي دفع الدكتور صاحب الشهادة والمربي الذي يتعلم منه الطلاب أن يقتل النفس بهذه الطريقة؟
بينما كانت الإجابات مختلفة، إلا أنها اتفقت على مبدأ واحد، وهو أن الشهادة لا تعتبر ضماناً لنزاهة الفرد أو حصانته، وإنما هي فقط لقب علمي يُضاف قبل اسمه. ولم يمضِ عام على حادثة الدكتور الذي كان يبتز الطالبات ويضع الكاميرات في مكتبه مع الأفعال الخادشة للحياء بذريعة الصداقة والتعارف، حتى تأتي هذه القضية لتعيد فتح ملف إعادة النظر في الأمر من جانب الأخلاقي والتعليمي في الجامعة، ومراعاة ضوابط التربية وسلوكيات التعليم.
من هذه الضوابط: احترام الحرم الجامعي ومكانته العلمية، ولابد من وضع ضوابط للزي الرسمي والالتزام من الفتيات بارتداء الملابس المحتشمة، والابتعاد عن الأماكن الخاصة والمواقع الإلكترونية بين الدكتور والفتاة. فغالباً ما حدثت هذه الحالات بعد تواصل إلكتروني. وفي حديث مع الطالبة في جامعة تكريت التي قدمت إفادتها رسمياً، اعترفت بأنها كانت على علاقة بالدكتور، وأن هدفها كان الحصول على درجات دراسية جيدة ونجاح في المواد، وأن معظم زميلاتها في الجامعة كن على علاقة بالدكتور أيضاً لنفس الغاية.
وفي جانب آخر، هناك بعض الحالات التي لم تظهر في الإعلام في أقسام أخرى، منها الابتزاز والضغط النفسي على الفتيات في الدرجات أو الرسوب في المادة إذا رفضت الفتاة، كما نقلت إحدى طالبات الجامعة في حوار خاص.
ومن جانب آخر، تحدثت السيدة ميثاق المسعودي عن أهمية التعليم والشهادة الأكاديمية ومسؤولية الإنسان تجاه هذه الألقاب العلمية وتقديس الحرم الجامعي من خلال الملابس المحتشمة والكلام بين الأستاذ والطالب، مع الاحترام المتبادل بينهما. وقالت إننا في السنوات الأخيرة افتقدنا لغة الاحترام، كما تشاهدون في المعاهد والترندات الأخيرة حيث ينادي الطلاب أستاذهم باسمه أو دلعه، كما نشر في وسائل الإعلام.
وليس هذا فقط، بل إضافة الدكتور أو الدكتورة إلى مواقع التواصل الاجتماعي والمحادثات المتواصلة من دون ضرورة، والتعليقات وحفلات التخرج التي أصبحت تضاهي حفلات الزفاف، كلها وسائل ساعدت في انتشار المحرمات والمعاصي في أماكن التعليم. والذريعة الأكبر هي الملابس غير المحتشمة، حتى أن بعض الفتيات قد يعتقدن أنهن خرجن لحضور حفل زفاف أو عقد قران من التبرج والفساتين والإكسسوارات، مما يعرضهن للتحرش اللفظي وغيرها من الحالات.
ومن الجانب النفسي، أضافت الدكتورة بيان أحمد لموقع "بشرى حياة" أن أعلى وأغلى الشهادات التي يمكن الحصول عليها هي شهادة الأخلاق، كما ورد في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". يعتقد البعض أنه بمجرد حصوله على الشهادة أصبح كاملاً، مكملاً، فيحق له ما لا يحق لغيره لأنه ذو منصب أو مكانة مرموقة، فيفعل الحرام من دون خوف أو تردد. ولكن إذا تحدثنا معهم نجد أنهم يعانون من مشكلات نفسية وجسدية تظهر في تصرفاتهم وسلوكياتهم، مثل: الحرمان العاطفي، الشعور بالنقص، وعدم الثقة.
التحرش، وإن كان الشخص ذو شهادة علمية، قد يكون قد تعرض في صغره لنوع من أنواع التحرش، وبقيت آثاره النفسية والجسدية مما دفعه للانتقام أو الاعتياد على الفعل. كما أن الابتعاد عن التشريع الإسلامي وتقليد الغرب من خلال الاختلاط وتبادل الصداقات كما هو الحال في الأماكن العامة من دون وجود مراقب أو حجاب شرعي يصون الفتاة، ووضع شرط أمام الأجنبي، يسهم في نشر ظاهرة العلاقات المحرمة في ظل غياب الرقابة الأبوية والمتابعة من قبل الأهل.
إهمال الفتاة وتعويضها النقص العاطفي أو الأبوي في المكان غير المناسب قد يجعلها تقع ضحية لمشاكل أخرى، كخلافات الأب وآلامه، أو أصدقاء السوء الذين يروجون لفكرة أن الصداقة بين الجنسين هي ثقافة متطورة، كما في بلاد الغرب. لو كانت هذه الصداقة والتعارف صحيحة، لما حرمها الدين الإسلامي، أوصى بعدم الاختلاط لما يترتب على ذلك من مخاطر الفتنة وزيادة فرص ارتكاب الحرام. لذلك، وضع الضوابط الشرعية لحماية الفرد أمرٌ ضروري.
من هذا الباب، فإن الإمام علي (عليه السلام) لم يدع إلى محاكاة الأولين دون إمعان النظر فيما نأخذ منهم. كما يقول: "فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا، فليكن طلبك ذلك بتفهم وتعلم، لا بتورط الشبهات، وعلق الخصومات". أما من اقتصر في حياته على الشهوات، فكان أشبه بالبهيمة التي همها علفها، فانحدر مستواه العلمي والأخلاقي إلى درجة لا تحمد عقباها، فصار عبداً لها تقوده إلى ما فيه هدر كرامته وضياع إنسانيته، لهذا فإن "من ترك الشهوات كان حراً" كما يقول الإمام علي (عليه السلام).
ويقول: "قبيحٌ بذي العقل أن يكون بهيمة وقد أمكنه أن يكون إنساناً، وقد أمكنه أن يكون ملكاً، وأن يرضى لنفسه بقنية معارة وحياة مستردة، وله أن يتخذ قنية مخلدة وحياة مؤبدة".
وفي ختام الحديث، لابد أن يكون طالب العلم صادقاً مع نفسه، فلا يخالف قوله عمله. فلا سبيل إلى أن يكون قدوة ومرشداً إلا إذا بدأ بتعليم نفسه قبل تعليم الآخرين. فكما قال الإمام علي (عليه السلام): "من نصب نفسه للناس إماماً فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم".
اضافةتعليق
التعليقات