قراءة نقدية لرواية: تحت الجذوع للثنائي الروائي منصور جعفر آل سيف ونجيبة السيد علي، صدر لهما: عندما يحلم الراعي رواية، لقاء مع الماضي قصص، دموع مسلحة رواية، عاشق في مكة رواية، عابرة سبيل قصص، وتحت الجذوع رواية.. وغيرها.
مع تزايد اللهاث المادي، والانشداد لأسر التراب، تتعاظم الحاجة إلى الإنعتاق، والعروج بالروح حيث الوصول إلى ذروة النشوة في المناجاة مع المحبوب الأكبر، تأتي رواية : تحت الجذوع للروائييْن منصور جعفر آل سيف ونجيبة السيد علي، ضمن هذا السياق.
فالموت أو العالم التحتي_اذا صح التعبير_ هو المحور الأساسي الذي تدور حوله أحداث الرواية، تلك المفردة الحاضرة الغائبة في وعي الإنسان المعاصر، وكأن الرواية أرادت أن تنفض التراب عن تلك المفردة، التي يصر الإنسان على استبعادها عن نفسه، متناسيا أن لا استثناء أمام الموت.
فجاءت رواية : تحت الجذوع لتؤكد أنك يا ابن آدم في مواجهة يومية دائمة مع هذا القاهر الذي لا يُقهر.
تحمل الرواية القارىء إلى عالم القبور، وما تكتنفه من غموض وأسرار، يجد القارىء في هذه الرحلة المضنية، نوعا من اكتشاف المجهول بما تسوقه من مشاعر حسيّة، حتى انّ القارىء يظن نفسه هو المقبور لا (عبدالحي) بطل الرواية، والذي استغرق كثيرا في التفكير، لكي يعرف في النهاية أين هو كائن..
فكانت لتلك المقدمة _ الطويلة والمشوّقة في آن معا _ ضرورتها في السياق القصصي، كي تعطي القارىء توصيفا دقيقا، لذلك البيت الموحش الذي هو مقبل عليه لا محالة.
أكاد أجزم أن موضوعات هذه الرواية جديدة على الساحة الأدبية، فلم يطرق بابها أحد من قبل على حد علمي، ولهذا الأمر استحقاقاته من حيث الشكل والمضمون.
فأغلب الروايات التي تغزو ساحتنا الثقافية اليوم، يكاد يغلب عليها طابع التكرار الممل والممجوج، وإن اختلفت العناوين والأسماء، إلا أنها تحمل ذات المضامين بأسلوب مغاير، وهذا مما يحدو بالمتتبع، ويحمله على الاختيار المدروس، لئلا يقع في مطب الروايات المتكررة.
أما رواية: تحت الجذوع فهي على النقيض تماما، انها تحمل بين ثناياها رؤية جديدة، ومعالجة جادة لموضوع شائك ورهيب في الوقت نفسه، مع عدم إغفال الجانب الإصلاحي، والذي بدا واضحا بين السطور، من خلال تسليط الضوء على العلائق الانسانية بين بطل الرواية عبدالحي وبين الآخرين، كالأم والأخت والصديق والحبيبة.
وبذلك تكتمل عناصر الصورة، وتكون أكثر تناغما وتناسقا، فلا يكفي مثلا أن تكون جيدا مع الله عز وجل، لكنك سيء الخلق مع مَن حولك.
فالمؤلفان أرادا بإبراز العلائق، دعوة الإنسان _كل إنسان _إلى إصلاح العلاقة مع الخالق والمخلوقين، ويُخيّل إليّ أنهما يسعيان بكل جدية لتأسيس دعوة إصلاحية مغايرة لدعوة ذلك الصوفي الذي يخاطب ربّه قائلا :
فليت الذي بيني وبينك عامرٌ
وبيني وبين العالمين خرابُ
الغفلة عن الخالق، النكوص عن جادة الصواب، الميل للهوى والباطل، الاستئثار، الأنا المتضخمة الى حد الذاتية، هذه الأمور تشكّل بمجموعها حبالا قوية تشدّ الانسان، وتعيقه عن التحليق عاليا، وتحول بينه وبين الكمالات الروحية.
ولقد جاءت سخرية النص في مكانها، وهي تصور كيف أن بطلنا المغوار "عبدالحي" القابع تحت الجذوع، استطاع أن يقتل حشرة صغيرة لا حول لها ولا قوة، ويشعر حينها بالزهو والإنتصار، وكأنه قاتل صنديدا شرسا، ومقاتلا من الطراز الأول.
لماذا لم ينتصر على غفلته يوم كان يدبّ على وجه الأرض؟!
ولماذا لم يقتل أنانيته حين استأثر بالتركة لنفسه دون أمه وأخته؟!
ولماذا.. ولماذا.. وكثيرا من التساؤلات تثيرها هذه السخرية، والتي وظّفت توظيفا ذكيا لصالح النص.
إننا حقيقة أمام ملحمة رثائية بكل معنى الكلمة، تولّد لدى القارىء إحساسا داخليا بالرثاء على نفسه، ربما تصاعدت وتيرة هذا الإحساس لمن يقرأ بقلب مفتوح، ليصل إلى قناعة ذاتية بضرورة المحاسبة، التي تأتي في مقدمة الأهداف والغايات، إنطلاقا من المفهوم الديني بضرورة محاسبة الذات قبل أن يبلغ الكتاب أجله.. حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوها قبل أن تُوزنوا.
اضافةتعليق
التعليقات