ذكرت الزهراء (عليها السلام) الفلسفة الإسلامية أو علل الأحكام في الشريعة الإسلامية وما هناك من فوائد وأسرار، وحكم في التشريع الإسلامي التي هي للوقاية أكثر مما هي للعلاج، وقد قيل: الوقاية خیر من العلاج وسيتضح ذلك في ما يلي:
(فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك) وفي نسخة: (ففرض الله الإيمان) الآيات الواردة في القرآن الكريم، الآمرة بالإيمان بالله وحده، إنما هي لغرض التطهير من أرجاس الشرك بالله، فالشرك بمنزلة المكروبات الضارة، والإيمان تعقيم لها، فالشرك قذارة متعلقة بالأذهان ملتصقة بالعقول، قد تلوثت بها القلوب، والإيمان تطهير عام لإزالة تلك القذارة.
(والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر) المقصود من تشريع الصلاة هو القضاء على رذيلة الكبر، لأن الصلاة خضوع وخشوع الله وركوع وسجود وتذلل، وأكثر المصابين بداء الكبرياء هم التاركون للصلاة .
(والزكاة تزكية للنفس ونماء في الرزق) وفي نسخة: (والزكـاة تزييداً لكم في الرزق) إنّما سُميت الزكاة لأنها تزكي الإنسان، استمع إلى قوله تعالى: (وخُذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) وقد جعل الله تعالى البركة والنمو في إعطاء الزكاة، فيأذن الله للأرض أن تجود ببركاتها، فيكثر الزرع ويمتلىء الضرع، وتتراكم الخيرات، وتتضاعف الثمار.
(والصيام تثبيتاً للإخلاص) قد يمكن أن يصلي الإنسان قصد الرياء، ولا يمكن أن يصوم ويطوي نهاره جائعاً عطشاناً، ويتحمل المشقة لسبب الإمساك والامتناع عما يشتهي بقصد الرياء، فالصوم من أظهر العبادات الخالصة لوجه الله الكريم.
(والحج تشييداً للدين) للحج فوائد ومنافع معنوية لا تتحقق بغير الحج، فالحج عبارة عن اجتماع عدد كبير من المسلمين من بلاد بعيدة وأقطار عديدة، من شرق الأرض وغربها وعن كل قطر يسكن فيه مسلم يستطيع الحج، في أيام محدودة وأماكن معينة، على هيئات خاصة وكيفيات مخصوصة، فيلتقي بعضهم ببعض، ويتعرف المسلم الأفريقي بالمسلم الآسيوي، ويطلع المسلم الشرقي على أحوال المسلم الغربي وما هناك من فوائد تحصل من أضف إلى ذلك الفوائد التي تعود إلى نفس الإنسان الحاج من الخضوع والتذلل لله، والتوبة والاستغفار وغير ذلك مما يطول الكلام.
(والعدل تنسيقاً للقلوب) وفي نسخة: «وتنسيكاً للقلوب» لا أعرف لتعليل العدل تعريفاً أحسن وأكمل من هذا التعريف، لأن تنسيق القلوب تنظيمها كتنسيق خرز السبحة، وتنظيمها بالخيط، فلو انقطع الخيط لتفرقت الخرز وتشتت، واختل التنظيم وزال التنسيق.
إن العدل في المجتمع بمنزلة الخيط في السبحة، فالعدل الفردي والزوجي والعائلي والاجتماعي والعدل مع الأسرة ومع الناس يكون سبباً لتنظيم القلوب وانسجامها بل واندماجها، وإذا فقد العدل فقد الانسجام، وجاء مكانه التنافر والتباعد والتقاطع، وأخيراً التقاتل.
وليست العدالة من خصائص الحكام والولاة والقضاة، بل يجب على كل إنسان أن يسير ويعيش تحت ظلال العدالة ويعاشر زوجته وعائلته وأسرته ومجتمعه بالعدالة إبقاءً لمحبة القلوب.
(وإطاعتنا نظاماً للملة) وفي نسخة: «وطاعتنا» كل أمة إذا أرادت أن تعيش لا بد لها من اختيار نظام حاكم سائد، والنظام كلمة واسعة النطاق، كثيرة المصداق غزيرة المعاني فالحكومات وتشكيل الوزارات، وتنظيم الدوائر، وسنّ القوانين، واصدار التعاليم في شتى المجالات يقال لها: نظام ولا بد - طبعاًـ من تنفيذ النظام، والخضوع والانقياد له، ويقال له: التنظيم.
فإذا كان النظام صالحاً انتشر الصلاح في العباد والبلاد، وإذا كان النظام فاسدا ظهر الفساد في البر والبحر والأمة الإسلامية التي تعتبر نفسها في طليعة الأمم الراقية المتحضرة لا بد وأن يكون لها نظام، وإنَّ الله تعالى جعل إطاعة أهل البيت (عليهم السلام) نظاماً للملة الإسلامية، ومعنى ذلك أن الله جعل القيادة العامة المطلقة العليا، والسلطة لأئمة أهل البيت الأثنى عشر وهم عترة الرسول فقط، لا كل من يستلم زمام الحكم، أو يجلس على منصة القيادة تجب إطاعته وتنفيذ أوامره.
وإنما جعل الله إطاعة أئمة أهل البيت نظاماً للمسلمين لأن الله تعالى رودهم بالمواهب، ومنحهم الأهلية، وأحاطوا علماً بكل ما ينفع المجتمع ويضره، وبكل ما يُصلح الناس ويفسدهم.
وجعلهم الرسول عدل القرآن بقوله: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، وإنكم لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما.
اضافةتعليق
التعليقات