كثير مانسمع أن المرأة ليس من واجبها التبليغ، فهذه مسؤولية الرجال فحسب، فالمرأة مكانها المنزل والتربية أما التبليغ فهو من واجب الرجال.
ولكن السيدة الزهراء بينت لنا أن هذا المنظور لايمت للدين بصلة، وإن الله لم يفرق بين الرجال والنساء بهذا المجال.
فقد كانت الزهراء الرسالية الأبرز في عصرها وقد بيّنت لبني جنسها من النساء تأكيد الدّين الإسلامي -من بين سائر الأديان- على ضرورة تعلّم المرأة، ومكانتها واحترامها.
فقد ذكرت بعض الكتب والكثير من الروايات مقام المرأة عند بعض الأديان، وكيفية تحقيرها، وقد نلاحظ هذا الموضوع بكثير من المجالات مما يجعل المرأة أقل درجة من سائر المخلوقات، إلا في الدين الإسلامي فقد كرّمها أفضل تكريم وحباها الله بمنزلةٍ رفيعة ولم يُفرق بينها وبين الجنس الآخر..
وقد خص الله ذوي العلم وطالبيه إذ قال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير}، هذهِ الآية الكريمة تدُل على أنّ الذين يرفعهم الله تعالى هم المؤمنون، وأهل العلم، رجالاً ونساء ولم يُخص الرجال فحسب. فقد تحدث بصفة الجمع الذين، لم يقل الذي، أو، التي. وهذا إن دل فهو يدل على أهمية دور طالب العلم وبيان درجتهُ العالية.
وعن سيد الشهداء (عليه السلام) قال: سمعتُ أبي علي يقول: "يغدو الناس على ثلاثة أصناف: عالمٌ ومتعلّم وغثاء، فنحن العُلماء وشيعتنا المتعلّمون وسائر الناس غثاء"، وهُنا أيضا نلاحظ كلمة (شيعتنا) تشمل الذكر والأُنثى، ولم يُفرق أو يُحدد أحد الجنسين.
فكانت الصديقة أفضل إنموذجًا لتجسيد الآيات المباركة تلك؛ فحسب ما يذكر التأريخ أنّها قد إتخذت من بيتها منــبراً لتبليغ الرسالة الدعوية، وفي ذلك إثبات للمرأة التي تجد في نفسها داعية للإسلام الإقتداء بها. فكانت أمًا ومرشدةً لِنساءِ عصرها حيث هي موضع الحكمة، وتمتلك العلم بشتى النواحي العقدية، والأخلاقية، والفقهية، والقرآنية، والإجتماعية، والتربوية، والزوجية، والوعظية.
حينما نجد التأكيد على طلب العلوم الدينية نلمس عظمة وثقل مسؤولية حملها، وأمانة فهمها وتطبيقها، وتبليغها، فروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: "إِنَّ الْعَالِمَ إِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ زَلَّتْ مَوْعِظَتُهُ عَنِ الْقُلُوبِ كَمَا يَزِلُّ الْمَطَرُ عَنِ الصَّفَا".
لذا لابد من تطبيق العلم المطروح على نفس الشخص الطارح، حتى يكون مؤثرًا، لهذا نجد إن سيرة السيدة الطاهرة أثرت تأثيرًا بالغًا بالرغم من مرور آلآف السنين على حياتها.
وقد يسأل البعض أيّ العلوم يجب أن تطلبها المرأة؟
إن أغلب المجالات بحاجة لوجود المرأة ولكن قد تكون وظيفة الداعية المبلغة أعلى درجةً من وظيفة الطبيبة والمهندسة -مثلاً- ؛ بلحاظ أفضلية العلوم الدينية على غيرها من العلوم.
فلو دققنا قليلًا في آيات القرآن الكريم لوجدنا إن الباري عز شأنه يحث الإنسان على تعلم العلوم الدينية أولاً، بدليل قوله تعالى:
(فَلَوْلَا نَفَر مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون).
وقد قرأتُ كتابًا للعلاّمة الطباطبائي (قدس سره) مفسراً لهذه الآية، يقول:
"ومن هنا يظهر... أن المراد بالتفقه تفهم جميع المعارف الدينية من أصول [التوحيد، العدل الإلهي، النبوة، الإمامة، المعاد] وفروع [الصلاة، الصوم، الحج، الزكاة، الخمس، الجهاد، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر] لا خصوص الأحكام العملية وهو الفقه المصطلح عليه عند المتشرعة، والدليل عليه قوله: ﴿لينذروا قومهم﴾ فإن ذلك أمر إنما يتم بالتفقه في جميع الدين وهو ظاهر"، وأيّده الشيخ ناصر الشيرازي (قدس سره) في التفسير..
هُنا قد بينت لنا الآيات والروايات بإستدلال السيرة الطاهرة الحث على طلب العلم وإن حثّت على تعلّم العلوم الدينية أكثر، لكنها لا تقلل من أهمية العلوم الأُخرى كالطب، والهندسة، والحقوق، والزراعة، وغيرها من هذه العلوم، إلاّ أنّها بيّنت الأكمل، والذي كانت تدعو إليه السيّدة الزهراء (عليها السلام).
اضافةتعليق
التعليقات