إكتضت السماء بسُحب سوداء مثقلة بالبكاء والنحيب.. وراحت الأرض تنثر الغبار على رأسها فأصبحت شعثةً غبرة، وهبت ريحٍ سوداء وبات كل شيء مظلما وموحشا وراحت الشمس تنعى فقد يوسفها؛ وابيضت عيناها من الحزن، وتوشحت بالسواد لهول المصاب.
نعم مصيبةٌ ما أعظمها وأعظم رزيتها في السماوات والأرض، اظلمت الدنيا، وبات كل شيء باهت اللون، أقبل إعصار رهيب، جعل الناس في سكرةٍ يعمهون، فإنقلبوا على أعقابهم، (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ الله شَيْئاً) ١.
عجبًا لهم لا يزالون في صراعٍ ونزاع عويص فيما بينهم على دنياهم هذه التي قال عنها أمير المؤمنين ومولى الموحدين علي بن أبي طالب (عليه السلام):
(ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز ) ٢.
ونبيهم ومالك أمرهم يتلظى حرارة السم الذي سقوه، سرعان ماجفوه، وراحوا يحوكون خيوط الإنتقام من أهله وعترته وروحه التي بين جنبيه، فأصبحوا خائفين يترقبوا، ويصدوا سهام الغدر والخيانة التي رشقتهم إياها هذه الأمة البائسة كالمطر بردائهم!
وبات القوم شغلهم الشاغل (المنصب، السلطة، الحكم)، حاكوا مؤامرات الإنقلاب بخيط أوهن من بيت العنكبوت وزينوها ببنود شيطانية بحتة.
كيف يسيطرون على هذه الأمة؟
راحوا يُعيّنون حاكم جائر ويسلطونه على رؤوس العباد، بحجة خوفهم الفتنة! ألا في الفتنة سقطوا، ألم يجف ريق نبيهم وهو يصرح ويعلن على أن الخليفة من بعدي (علي بن أبي طالب).
لكن تكالبوا عليه وطعنوه بخنجر الخذلان والحقد والإنتقام وسلبوا عليًا حقه وتأمروا عليه!
بينما كان عليًا مشغول في تجهيز نفسه وابن عمه النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) فقد انهد ركنه وراح يتلو بقلبٍ دامي مزقهُ أشرار الأمة البائسة (بِأبِي أنتَ وأمِّي، لَقدِ انقطَعَ بِمَوتِك مَا لَم يَنقَطِع بِموتِ غَيركَ، مِنَ النُّبوةِ والأنبَاءِ وأخبَارِ السَّمَاءِ).
ويشكو بثهُ وحزنهُ إلى الله ويقول: «ما رأيت مذ بعث الله محمدا رخاء، لقد أخافتني قريش صغيرا، وأنصبتني كبيرا، حتى قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكانت الطامة الكبرى، والله المستعان على ما تصفون.» ٣-
بنفسي هم صُبت عليهم المصائب صبّا، كما قالت بضعة المصطفى: صُبت عليّ مصائبٌ لو أنها صُبت على الأيام صرنّ لياليا. إجتمعوا شياطين الأنس بسقيفة بني ساعدة ليكيدوا المكائد ويخططون لقتل عليّ وآل علي كما فعلوا ذلك برسول الله (صلى الله عليه وآله) وراحوا يتراقصون على جراحهِ فرحًا.
لكن أسفي على الصم البكم العمي الذين رأوا ذلك وسكتوا عنهُ، بل الأعجب من ذلك عندما شاهدوا بنت نبيهم وبضعتهُ التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها، تستغيث أباها عندما هجم عليها المنافقين القردة الخاسئين وعصروها بين الحائط والباب، لم تتحرك شعرة واحدة من ضمائرهم التي تلفظت أنفاسها الأخيرة لنصرتها واستغاثتها، وأضحوا يدسون ضمائرهم في التراب وعادوا إلى جاهليتهم الأولى، فأكبهم الله على منخريهم في العذاب الأليم وسلط عليهم من لا يرحمهم من الحكام الفاجرين والسلاطين الجائرين.
اضافةتعليق
التعليقات