عملية التفكير لها دور أساسي في صناعة شخصية الانسان الناجح وتطور المجتمع ومواكبة الأمم المتحضرة، وكلما توسع اطار هذا التفكير كلما رأى الفرد زوايا قابعة لم يفطن لها سابقاً وحدودا شاسعة لم يكن ليكتشفها إن لم يبادر بهدم الحواجز التي وضعها هو لنفسه أو حتى مجتمعه.
في عصر العولمة والانفتاح الثقافي بات العالم كما يقال قرية صغيرة، وبطبيعة الحال فإن التغيرات تلقي بظلالها على فكر الانسان وتدعوه لأن يواكب تلك التطورات ويسعى لتنمية ذهنه وينافس بقية المجتمعات، البعض يفضل أن ينطلق ويجول بين أروقة هذه القرية عارضا مبادئه وأفكاره وانتاجاته بكل صنوفها، لكن البعض يفضل أن يبقى ضمن نطاق المحلية محتفظا بما يملك.
من هذا المنطلق أقام ملتقى المودة للحوار جلسته الشهرية، ونظرا لما تمر به البلاد من حظر للتجوال كان الحوار هذه المرة في الفضاء الالكتروني وبضيافة سماحة الشيخ مرتضى معاش وبتاريخ: 30/ 3/ 2020.
حضر الملتقى ثلّة من الكاتبات والناشطات وطرح عليهن السؤالين التاليين:
1- أيهما تؤيد البقاء في اطار المحلية أو الخروج إلى الاطار العالمي؟
2- هل الخروج من المحلية إلى العالمية يفتح آفاق التفكير؟
ادراك الأولويات، الوظيفة والمسؤولية
بدأ سماحة الشيخ مرتضى معاش بالحديث قائلا:
يتم طرح هذا الموضوع من جانبين، الجانب الأول جانب التفكير، والثاني الانفتاح والانعزال أو الانغلاق، من ناحية التفكير نسأل السؤال التالي: هل يجب أن يكون تفكيرنا محليا أو عالميا، أي هل يجب أن نهتم فقط بالقضايا المحلية، فتكون همومنا ومشاغلنا وقضايانا باطار محلي وليس لنا علاقة بأي شيء خارج المحلية، والمحلية بطبيعة الحال تبدأ من محلية الأسرة إلى محلية المحلة، إلى محلية المدينة إلى محلية المحافظة إلى محلية البلد أو القطر أو قد تكون محلية عربية أو اسلامية، فهي إذن مختلفة في دوائرها وأطرها.
أم يجب أن يكون تفكيرنا عالميا، وينظر من خلال دائرة عالمية، ومن ثم ينطلق إلى الدوائر الأخرى الدينية، المذهبية، البلد، المحافظة، فماذا يجب أن نختار، هل واجبنا أو من هل الصحيح أن نختار أسلوب المحلية أو العالمية؟.
من جهة أخرى وهو جانب الانفتاح أو الانعزال والانغلاق، اليوم هناك من يعتقد أن نتطور ونطور بلادنا وأنفسنا، ونواجه التحديات الموجودة، فنستفيد من الحضارات الغربية والمتقدمة ونخرج من حالة التخلف، لكن في المقابل هناك من يقول أن الانفتاح هو الانفلات والغرق في مستنقع الحضارة الغربية بما فيها من نقائض تناقض ديننا ومذهبنا وعاداتنا وتقاليدنا، وبالتالي استيراد قيمها وعاداتها وثقافتها ومن ثم نصبح تابعين لهذه الحضارة، لماذا، لأننا شعوب متخلفة -كما يقول أصحاب هذا الرأي- ولا نملك الأسس الثقافية والفكرية والعقائدية اللازمة حتى نستطيع أن نقاوم تلك الحضارة المنتصرة بالتكنولوجيا والعلوم الاجتماعية والطبيعية والجامعات والقوى الناعمة والاعلام والتكنولوجيا والانترنت، ونحن حضارة مغلوبة ليس لدينا امكانيات وعندما ننفتح عليهم فسنغرق في حضارتهم، لذلك يجب أن نحافظ على أنفسنا ومجتمعاتنا وذواتنا.
فهذان رأيان، رأي يدعو للانفتاح باستيراد التقدم، ورأي يدعو للانغلاق من أجل الحفاظ على تراثنا وديننا.
وأضاف معاش قائلا:
بالطبع عندما نحاول أن نقرا خصائص ديننا الاسلامي، وخصائص مذهبنا نقرأ أن الدين الاسلامي هو ذو طابع عالمي، أي يحمل جوهرا عالميا، فهو لا يختص بمدينة ولا يختص بمنطقة أو قطر ورسالته رسالة عالمية وكبيرة وانسانية، يقول الله تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".
وكذلك التشيع هو مذهب عالمي وقيمه أخلاقية عالية، وأئمتنا حجة على كل البشر، فمن هذه الجهة لابد أن نلاحظ خاصية أساسية في ديننا ومذهبنا وهي العالمية، وقد قال الامام علي عليه السلام: الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.
فدائرتنا دائرة انسانية ثم اسلامية وثالثا مذهبية، ولذلك فكل هذه الدوائر دوائر مفتوحة على العالم وليست منغلقة ولا يمكن من هذه الجهة أن ننغلق خوفا من الحضارة الغربية والغزو الثقافي والفكري الآتي منهم، فلهم أدواتهم العملاقة من الانترنت والفضائيات والتقدم العلمي الكبير في جميع الجوانب، فعندما ننغلق على ذاتنا سنحكم على كل ما نملكه بالاضمحلال والزوال من خلال جعلها محلية.
كما أن العالمية قضية حتمية لا يمكن أن نتجاوزها، لا يمكن أن نضع أسوار، الصين بنت سورا عظيما لتحمي نفسها من الغزاة، ولكن فايروس كورونا عبر منها إلى كل العالم، فالعالم أصبح واحدا، واضطرت الدول جميعها أن تغلق حدودها ومدنها وتفرض الحظر الاجباري والعزل والتباعد الاجتماعي من أجل عدم وصول الفيروس، لكن الفيروس لازال ينتشر يوميا في كل العالم.
مانراه اليوم هو نتيجة للعالمية والتواصل، لكن للأسف الشديد العالمية الموجودة اليوم عالمية سيئة لا تؤدي إلى بناء عالم انساني، بل عالمية متوحشة تؤدي إلى نشر السيئات والانفلات والأفكار السيئة.
اليوم نحن نعيش في مدينة مقدسة لكن كل أدوات العالمية في داخلنا، شبكات التواصل والفضائيات، فنحن نعيش الثقافة الغربية بأدواتها، ولا نستطيع أن نمنع أبناءنا أن يشاهدوا أفلام الكارتون الغربية والسينما العالمية أو الكتب الغربية. فماذا نحن فاعلون مع هذه الحتمية وكيف نواجهها؟
اليوم نحن نعيش تخلفا علميا وفكريا، وكل مانملكه هو ما أنتجه الغرب، نحن مستهلكون للثقافة الغربية بأدواتها، فكيف نستطيع أن نكون أقوياء؟.
نحن نحتاج أن ندرس أولوياتنا، أن نكون أقوياء في عالم الأقوياء، اليوم القوة هي بالعلم والمعرفة، من يملكها يملك السلطة والهيمنة، والعكس يكون تابعا للقطيع العالمي الذي يقوده الأقوياء المتقدمون، لا يمكن أن نتفاخر بتاريخنا فقط، وإلا ستكتسح الثقافة الغربية كل قواعدنا وتأخذ أبناءنا كما يحصل اليوم، فأغلب الدراسات الموجودة اليوم في بلادنا هي غربية، كعلم الاجتماع وعلم النفس والفلسفة والاقتصاد، وهذا نتيجة امتلاكهم لمفتاح التقدم وهو العلم والمعرفة، فماذا نحن صانعون في هذه العالمية الحتمية؟
هنا لابد أن ندرك ماهي الأولويات، ماهي الوظيفة الشرعية، نحن نعيش عالم الرغبات ومانحبه وليس عالم الوظيفة والمسؤولية.
هناك عدة نقاط للإجابة على ذلك:
- علينا أولاً أن نبني أسس علمية ومؤسسات ثقافية رصينة من أجل بناء أنفسنا وأفكارنا وقيمنا ولابد أن نذهب وراء الأولويات العميقة التي أوصى بها أهل البيت عليهم السلام حتى نستطيع أن نوصل رسالتهم. فلا بد أن يكون عندنا حوزات وجامعات ومدارس علمية ومكتبات ومؤسسات اعلامية ومفكرين وعلماء.
- أن نذهب وراء البناء العقائدي السليم، والذي يأتي من خلال التعلم والتعقل والتفكر والتدبر وليس من خلال التقليد الأعمى. لكي نستطيع التحاور مع الاخرين بالاستدلال العلمي السليم.
- نحتاج إلى التوازن في عملية المحلية والعالمية، فكلاهما يكمل الاخر، لا يمكن أن ننفتح انفتاحا مطلقا ولايمكن أن ننغلق ونصبح متعصبين متطرفين، أي أن يكون الانفتاح عقلاني محسوبا وكذلك الانغلاق لا يكون بهذا العنوان بل بحماية أنفسنا بانفتاح حكيم، من خلال ثقافة الاعتدال والتفكير الوسطي المبني على شروط وأسس وهذا يبدأ من الأسرة وأن نحول مجالسنا إلى حوارات علمية تهدف إلى البناء الفكري العقائدي السليم.
المداخلات
ثم فُتح باب المداخلات للأخوات المشاركات في الملتقى:
قالت فاطمة معاش/كاتبة باحثة:
النقطة الأولى: قال الله تعالى: «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا».
يمكن أن تكون دلالة كلمة (التعارف) هو التعارف الفكري، إذن في فكر القرآن الكريم التعارف ليس فقط محليا بل يجب أن يخرج من دائرة المحلي وتدخل إلى الدائرة العالمية.
النقطة الثانية: بما أن الامام المهدي (عج الله فرجه) سيظهر وسيقيم العدل ضمن دولة اسلامية واحدة إذن العولمة الاسلامية ستحقق في دولة الامام المهدي وستنفتح افاق التفكير بما لها من معنى، فاذا الانفتاح إلى العالمية بالأفكار الاسلامية يمكن أن يكون نوع من التهيئة لظهوره عليه السلام.
النقطة الثالثة: اؤيد الانفتاح إلى العالمية ولكن ليس بالنسبة إلى كل الأصناف والأعمار، فالأولاد المراهقين والاصغر الذين لم تتشكل شخصيتهم بعد ولم تغرز فيهم المبادئ بعد، الانفتاح العالمي بالنسبة اليهم يعني الدمار وكذلك الأمر بالنسبة إلى الصنف الذي لم يطالع الكتب اللازمة أو لم يتعرف على مبادئه بالصورة الصحيحة.
النقطة الرابعة: الانفتاح إلى العالمية يجب أن يكون عند توازن أمران: حفظ الاصالة والمبادئ التي نتحلى بها.
وعن السؤال الثاني، التحلي بالحداثة المعاصرة ليكون الانفتاح مؤثرا من الطرفين وإلا سيكون التأثير من الجانب الأكثر معاصرة أقوى.
قالت زينب الأسدي/كاتبة:
الخروج إلى العالمية يحتاج إلى أسس ومقومات وقد خلت مخلاتُنا مع الأسف، فبأي شيء نخرج؟!
إذا أردنا أن نواجه العالم ونحاكمه بمجموعة من القوانين والدساتير التي نراها بأنها الأفضل لإدارة العالم سوف نؤاخذ بعدم تطبيقها على أنفسنا أولا، فها هو عالمنا متخلف، يرجع القهقرى يوما بعد يوم.
أما التفاخر بأننا رواد الحضارة ومنا انبثق التمدن، أيضا مردود فتلك حقبة قد مضت.
إذا أردنا أن نخرج لهم بالإبداع فتلك قصة حزينة، الإبداع شبه معدوم أو أنه لا يلقى الدعم اللازم من أجل الظهور.
مع هذا أقول أن التوازن مطلوب في كل شيء، التحليق في الآفاق وبناء المدن الفاضلة في المخيلات قد يصيب الإنسان بخيبة الأمل.
لذا العمل على أمر معقول ومحاولة إنجازه بأفضل ما يمكن يعتبر نجاحاً محموداً لكل فرد، عندها لا بأس من محاولة عرض هذا النجاح للخروج به نحو العالمية.
قالت جنان الرويشدي/مدرسّة:
إن الخروج إلى العالمية يحتاج إلى معرفة ودراسة.. فقبل أن تطأ قدمك أي أرض أجنبية غريبة عنك عليك أولا الحصول على كتاب يتناول المسموحات والمحظورات في أي بلد من بلاد العالم حتى لا تندم فيما بعد.. كذلك الانتقال إلى العالمية يحتاج كم هائل من المعرفة والاطلاع كي لا تتأثر، يعني لديك من الحصانة الكافية لكي لاتتأثر معتقداتك وأفكارك بالأفكار والمعتقدات الغربية.
وعن السؤال الثاني، علينا أن نجمع المعلومات وننطلق من خلالها إلى العالمية مثل حبات الرمال الصغيرة يبني الرجال المهمون قلاعهم فبدون الاطلاع الواسع لايمكن الانطلاق مباشرة من المحلية إلى العالمية لان أكثر الكتاب والمثقفين الذين انطلقوا وانفتحوا على العالمية بدون اطلاع واسع نرى أنهم فقدوا محليتهم وجذورهم وابتعدوا عن أصالتهم..
قالت زينب السماك/ كاتبة:
بالتأكيد أفضل العالمي ولكن بشرطه وشروطه.. وإذا لم تتحقق شروطه، فيكون المحلي الخيار الأمثل للمحافظة على النجاح.
إن العالمية سلاح ذو حدين إما أن تصل إليها وتترنح في نجاحاتها وافاقها أو أن تقع من علوها ويتهشم كل شيء.
وكانت اجابتها على السؤال الثاني: إن الخروج إلى العالمية يفتح آفاق كبيرة للتفكير وآفاق أكبر للنجاح ولكن على أن لا تكون العالمية هي الهدف، يجب أن يضع أي انسان يسعى إلى النجاح هدف النجاح هو النجاح بحد ذاته وليس شيء آخر. وأن تكون العالمية الخط الذي يتوج نجاحه به.
وعلى الشخص ان يتحكم بخارطة طريقه نحو العالمية لأنه أحيانا يكون الاصابة بهوس العالمية عائقا أمام اتمام مسيرة النجاح لابل ربما تكون هي السبب في فشل الشخص.
قالت نجاح الجيزاني/كاتبة:
الخروج من المحلية إلى العالمية ودون أدنى شك هو الخيار الأصح، بلحاظ تعدد بل وتنوع ثقافات الآخرين، علماَ بانّ الله سبحانه قعّد لهذه الفكرة في القرآن الكريم وتحديداَ في آية التعارف.
(يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير).
إلا أن التحدي الاكبر ليست في العالمية ذاتها، بل بمتبنياتنا الفكرية ومدى صمودها وصلابتها أمام النظريات الأخرى، فنحن نؤمن بأن ديننا الاسلامي هو الدين الأمثل والأفضل والأكمل على مستوى التنظير.. لكننا للأسف لا زلنا نعاني من حالة الازدواجية الفكرية والتعنت المذهبي والعزة بالأثم، والذي يغلق الأبواب أمام انطلاقتنا الأممية (العالمية).
فكيف باستطاعتنا بالله عليكم أن ننطلق نحو العالمية ونحن لا نزال نرزح تحت متبنيات تقزّم أفكارنا وتوهن قوانا وتقيّد طموحاتنا وتعرقل مسيرة التفكير لدينا؟!
قالت عفراء فيصل/كاتبة:
الخروج من المحلية إلى العالمية فيها توسيع للأفكار في زمن تعدد الأفكار وتشعبها ولكن أعتقد ذلك بشرط الإلمام بأغلب الآفاق المحلية.
يُمكن القول بأن العالمية تفتح آفاق التفكير ولكن ليس بشرط أن تكون الأفكار سليمة تؤدي إلى النجاح، يبقى الأمر راجع إلى ثبات أفكار الشخص نفسه وعدم تشتته.
قالت فاطمة الركابي/كاتبة:
لكل انسان شغف التوسع وايصال ما يريد إلى اوسع نطاق مجتمعي/عالمي، لا أقل يوصل ما يريد للجاليات الاسلامية في العالم، ولكن المسألة مسالة اجتهاد وسعي وتطوير وهمة من قبل الفرد نفسه كلما حقق الانسان مقومات الجودة والجذب فيما يطرح تمكن أن يصل للعالمية، وإن لم تكن هي هدفه وغايته بشكل خاص.
أما اجابة السؤال الثاني: بلا شك لأن الإنسان سيكون مطلعا وملما بثقافات الغير وأسلوب تفكيرهم لكي يخاطبهم ويوصل لهم ما يريده بما يتناسب مع فكرهم، فهو سيضيف لنفسه أولا، ومن ثم يمزج بين فكر الغير وفكره بما يمكنه من ايصال فكره وليس العكس.
قالت اخلاص داود/كاتبة:
لا أعتقد المبدع الحقيقي يطرح على نفسه هذا الخيار.. سيكون وقتها قد وضع عقله في اطار وقولب أفكاره في اتجاه واحد، وهنا يموت الابداع الذي ينمو على أرض واسعة حرة خالية من القيود والسلاسل ولا ينتج انتاج حقيقي وتصبح آراؤه مجرد كلام في كلام، كما نراه اليوم في الأعداد الهائلة من الكتب المتنوعة التي تطبع وتنام على الرفوف تغطي فشل مهمتها الأتربة، ويبتعد عنها الشاب المتمرد اليافع المحب للقفزات الفكرية المواكب للتكنولوجيا ويقترب منها المقيدة أقلامهم بسلاسل العادات والموروثات التي أكل الدهر عليها وشرب، يقول سقراط (المعرفة ليست العلامة الحقيقية للذكاء وانما الخيال)، وهذه المقولة افسرها أن للخيال امكانية لا حدود لها البتة، واذا عرفنا كيف نستثمر هذه القوة الخلاقة الموجودة في ذاتنا سيكون تأثيرها عظيم على الانسان نفسه وأخيه الانسان وواحدة من شروط الانطلاق هو التحرر من القولبة الفكرية والانحصار المعرفي.
جوابي على السؤال الثاني: بالطبع كلما تنوعت العلوم والمعارف بحسب الجغرافية والبيئة التي خرجت منها واستطعنا الاستفادة منها سيكون انتاجنا أكثر ثراء وابتعدنا عن النظر وقياس الأمور بعين عوراء لا ترى سوى اتجاه واحد.
قالت دلال العكيلي/كاتبة:
البقاء في إطار المحلية واثبات الذات من ثم الانطلاق للعالمية، وليس بالضرورة أن تفتح العالمية آفاق التفكير لكن ممكن أن تسهم في ذلك.
قالت مروة خالد/كاتبة:
الخروج إلى العالمية يتطلب التفكير السليم والتعرف على ثقافات الآخرين وتجاربهم، أفضل أن يكون الإلمام بالمحلة أولا ثم الخروج إلى العالمية بعد تحصين الذات، ليصنع الإنسان له عالما خاصا ويستطيع تقديم أفكاره بقوالب عالمية ابداعية ودمج المحلية والعالمية معا.
والشخص الذي يصل العالمية هو من لديه تطلعات وآفاق واسعة في التفكير.
قالت هدى محمد/مدرسّة وكاتبة:
من وجهة نظري أتصور البقاء في إطار المحلية يقتل الإبداع فيجب أن يُلم الإنسان بثقافة محلية لابأس بها ثم ينطلق إلى الإطار العالمي كي يستطيع مواكبة التطورات والأذواق مع الإحتفاظ بنكهته الخاصة.
والتعرف على الثقافات العالمية بالتأكيد له شأن في فتح آفاق التفكير والتعرف على الشعوب والأمم الأخرى وعدم التقوقع، فمن خلال الوصول إلى العالمية نستطيع مخاطبة العالم أجمع.
قالت حنان حازم/كاتبة:
الخروج إلى الاطار العالمي بات ضروريًا للاطلاع على آخِر ما توصل إليه العالم من جيد إلى أجود، لأخذ الفائدة أو الاستفادة مما يتناسب مع تطلعاتنا بشأن موضوع، قضية أو فكرة نعمل عليها، وجلبه كمثال أو تطبيق بغية ايصال المطلوب بأفضل صورة بعد الالمام بحذافيره جيدًا، ويكون الهدف هو تطوير الواقع المحلي والنهوض به للتقدم والارتقاء.
وعن السؤال الثاني: البقاء في مكان واحد تتراوح به الأسباب والمعطيات لا يجدي نفعًا، يجب علينا الخروج من نطاق المحلية ومواكبة الأحداث الحاصلة عالميًا، كي نفتح نوافذ جديدة نحو فضاءات نكتشف فيها مزيدًا من العلم والمعرفة والأمور المستجدة في هذا العالم، الكاتب صاحب رسالة لا بد له أن يكونً مفكرا قبل أن يُصبحَ كاتبا، والفكر حاله كحال أي جزء في مكنون الانسان يحتاج إلى الغذاء بشتى أنواعه من كل بقاء الأرض، مع بالغ الحذر والانتباه مما يضر به من أطباق معروفة تضر بصحته يتوجب الابتعاد عنها..
قالت فاطمة أسد/كاتبة:
أؤيد العالمية.. بشرط أن يكون المفكر أو الكاتب على مستوى فكري ناضج ومُطلّع على حدود التفكير في العالم مسئول عن أفكاره التي يطرحها وإن ضربها البعض عرض الجدار وأن يمهل ذاته الوقت قبل نشر فكرته لكي تنضج وتكتمل وتكون في مساحة كلاسيكية عبر الزمن أو المكان، أي أن تكون في محل تقبل وإن مضى عليها الزمن واختلف في نشرها الأمكنة.
وعن السؤال الثاني: نعم وبشدة ولكن الكثير ممن إنساقوا للعالمية بالكتابة أو حتى بالقراءة انحدروا عن منهجهم أو قيمهم وهنا تكمن المأساة. على المفكر أن يكون ذا مبادئ صلبة لا تكسرها اختلاف العقائد والأهواء ومن ثم يبحر بأي بحر شاء، حينها سيستمتع وينجو في آن.
قالت جنان الهلالي/كاتبة:
الهمم العالية في الوصول للعلم مطلب يتمناه أصحاب النفوس الكبيرة، التي تتوق للمعالي، وللوصول إلى أعاظم الأمور، بما يعود عليها من نفع كبير وخير وفير، تؤهلها لنيل الدرجات العُلى، فمن جد وجد ومن زرع حصد، ومن سار على الدرب وصل، ومن سعى جنى، ومن طلب العُلى سهر، فلا ضرر أن يسعى الإنسان في طلب المعرفة والاطلاع على العلوم المعرفية الأخرى ولكن بالمقابل يجب تطوير نفسه ليرتقي لمستوى مايريد أن ينالهُ.
وعن السؤال الثاني: البقاء في ظل تفكير ضيق ومحصور داخل عنق زجاجة المحلية هو من جعل أغلبية الدول العربية تتراجع في كل الجوانب الفكرية والعملية والثقافية بعد ما ازدهرت في تلك العقود التي خلت. فكثير من شبابنا لهم قدرات عظيمة لكن بسبب عدم احتواء ابداعاتهم وابتكاراتهم بالإضافة إلى محاربتهم نفسياً قُتلت فيهم روح الأبداع.
ولكن نقول في النهاية المثابرة والعزيمة لا تلوي يد الأقوياء.. فالمثابر يتحدى الصعاب ويبدع في كل الظروف.
قالت حنين حليم/صيدلانية وكاتبة:
حتما التطلع للإطار العالمي هو مايؤيده الأغلب، فالعالمية هي هدف سامي عندما يخدم الغاية المنشودة، فالإنسان يجب أن يكون فكره مفتوحا وغير متحجم بمستوى محدد، فالأهداف المدروسة وبعيدة المدى عند العمل عليها.
وعن السؤال الثاني: نعم، يفتح افاق لأن التنوع بالاطار العالمي والاختلاف وكونه مجال واسع سيعطي أفاق متعددة وافكار كثيرة.
وهنا يحتم ضرورة أن يكون الشخص ثابت ورصين وأن لا تأخذه العالمية ومغرياتها عن الهدف الأصلي.
قالت آلاء هاشم/كاتبة:
الانطلاق نحو العالمية غاية كل انسان طموح... لكن الانتقال من المحلية للعالمية هي أولا وأخيرا توفيق من الله عزوجل ثم الفرص المتاحة للشخص لتلك الانطلاقة وكيفية استغلال تلك الفرص.
فكم من أشخاص تفوقوا في مجالاتهم وتميزوا بأعمالهم وانفردوا بها، لكن لم تسنح لهم الفرصة أو لم يوفقوا للتميز والانطلاق لا محليا ولا عالميا.
قالت رهف الجنابي/كاتبة:
لابأس من محاولة نشر بعض الوعي والفكر المحلي لاسيما الديني في محاولة منا لتغيير مايمكن تغييره في بعض سلوكيات الغرب، لا ندري علنا في ذلك نساهم ولو بقدر يسير في هداية من يشاء الهداية ونرد لهم بذلك ما ادخلوه علينا من عولمة وما فرضوه علينا من ثقافتهم التي ساهمت بشكل كبير في تغيير أخلاقيات الفرد وبشكل يتنافى مع عاداتنا وتقاليدنا وشريعتنا وهذا الأهم.. وأكرر لعلنا نكون سبب في هذا التغيير من منطلق إنك لاتهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء.
قالت نادين/صيدلانية:
الفكرة التي أود أن ألفت النظر إليها رغم ماتم طرحه عن كون العالمية الآن تشمل كل بقاع الأرض واشتراكهم بالعموم بنفس المحاور البشرية والأزمات الأخلاقية والأسرية.
لكن يظل هناك فروقات كبيرة بين طريقة تفكيرنا هنا بالعراق مثلا وبين طريقة تفكير من يسكن في إحدى البلدان العربية أو طريقة تفكير أي مسلم شيعي في الغرب..
المقصد أنه لعله أول خطوة للانفتاح هو فتح شبكة واسعة من التبادل الثقافي وبالتالي توسيع الأفق ومعرفة نقطة الانطلاق للعالمية الحقيقية..
لأن التصور المبني في الأذهان لدى كل فرد يبقى قاصرا إلى أن تكتمل الصورة من تجارب الآخرين..
أسئلة وأجوبة
ثم كانت الأسئلة من الحاضرات إلى سماحة الشيخ وكانت كالتالي:
- نادين سألت: هل المحلية والعالمية المقصود منها منهج الحياة أم طريقة التفكير؟
أجاب معاش: هو أسلوب تفكير عملي في التعامل مع الآخرين وهو أسلوب أهل البيت (عليهم السلام) إذ لا وجود للحدود الجغرافية، وهو فكر وثقافة انسانية عالمية لكل البشر.
- زينب السماك سألت:
إذا بقي الشخص في اطار محلي هل معنى ذلك أنه لم يصل لنقطة النجاح، وهل الذي وصل للعالمية وصل إليها؟
أجاب الشيخ معاش:
القصد ليس في عملية النجاح القصد في أسلوب التفكير، الانسان اليوم يعيش العالمية لكن بأسلوب محلي، يجب على الانسان أن ينظر للعالم كوحدة واحدة، وليس عالم متجزء لأن مشاكل الناس كلها أصبحت واحدة، كما نرى اليوم في قضية كورونا.
- فاطمة الركابي سألت:
لماذا مع كل ما نحمله من أفكار ديننا وثقافتنا الاسلامية المحمدية الأصيلة نحن لا نشعر بقيمة وقوة ما لدينا أو لتكون لدينا شجاعة وثقة في طرحها كما هم يطرحون أفكارهم؟ وماهي الأدلة الحياتية الحيوية التي تمكننا من البناء العقائدي؟
أجاب معاش:
هذه نقطة مهمة جدا، وهي الثقة بالنفس، الحضارات الفائزة والغالبة هي الحضارة التي تمتلك ثقة بنفسها وعقائدها ودينها وقيمها وثقافتها، نحن بحاجة إلى ذلك، وأن لا نكون منهزمين، والثقة تأتي من خلال البناء المعرفي المتراكم المستمر المؤسساتي الذي يقوم على التعاون والتكافل والتكاتف والعقد المشترك العام والعلاقات العامة.
أما الأدلة، على سبيل المثال، لدينا أحكام شرعية وآداب حياتية، مع انتشار الفايروس توضحت أهميتها اليوم، وهذا يدل على أننا لم نوضح حكمة هذه الأحكام باستدلال علمي، كقضية غسل اليدين والوضوء والأغسال المستحبة، ف"النظافة من الايمان"، وحرمة أكل بعض الحيوانات، والعلم كشف أنها مسببة لهذه الفيروسات.
هدى الحسيني سألت:
لماذا لا نكون نحن من نبدأ في النظرية أو أي اكتشاف ما، فكروية الأرض الامام الصادق هو أول من قال بها، لماذا لا نصرح بذلك قبل الغرب، هل هو قصور من مفكرينا أم أن العالم لايسمع للمسلمين قبل غيرهم؟
أجاب الشيخ:
السبب في ذلك أننا ضيعنا الأولويات، الأنبياء والقرآن وأهل البيت أوصوا بالعلم والمعرفة، التي هي أساس القوة كما قلنا، فلابد أن نرجع للأولويات، بناء كل شيء يعتمد على جعل العلم وتقوية حوزاتنا وكثرة العلماء الصالحين وكثرة الجامعات ومراكز الدراسات والاهتمام بنشر الكتاب والندوات والحوارات كل ذلك يزيد العلم والمعرفة فتزيد القوة.
التوصيات
في ختام الملتقى، تم عرض مجموعة من التوصيات التي استخلصت من الأفكار المطروحة في هذا اللقاء:
١. الخروج إلى الاطار العالمي يتطلب ضوابط وشروط كي يتكلل هذا الانطلاق بالنجاح.
٢. الانطلاق نحو العالمية لا يتم إلا بعد التحرر من حالة الازدواجية الفكرية والتعنت بالرأي.
٣. على الفرد أن يجتهد ويسعى لتطوير نفسه لكي يحقق مقومات الجذب والجودة في الطرح.
٤. المبدع الحقيقي لا يقولب أفكاره في اتجاه واحد، لأن الابداع ينمو في أرض واسعة حرة.
٥. الخروج لنطاق العالمية يفتح نوافذ جديدة ونحو مزيد من العلم والمعرفة.
٦. ديننا الاسلامي لطالما كان خطابه عالميا والمتمثّل في الآيات القرآنية والأحاديث المروية عن الرسول وأهل بيته الكرام ومنهج حياتهم بشكل عام لم يكن يوماً موجهاً ضمن نطاق الرقعة التي يعيشون فيها.
٧. تبني هذا المنهج هو خيار ايجابي إن وضع وسار وفق ضوابط وخطوط وضعها الباري لنا وبينتها رسله إلينا.
8. العالمية قضية حتمية، فنحن نعيش على الصناعة الغربية بكافة أشكالها، لكن المفصل في كيفية التعامل ومواجهة هذه الحقيقة.
9. الانفتاح الفكري هو الاستفادة من معارف العالم وتوظيفها في بلداننا، ولا تعني الانغماس في حضارات الغرب بما تحوي من قيم تنافي مبادئنا وعاداتنا.
اضافةتعليق
التعليقات