من البديهي عند العقلاء انه اذا ما اعتقد شخص في عقيدة ما.. استعد ان يفدي كل ما لديه من مال وجاه وحتى النفس في سبيل تلك العقيدة .فكيف ان كانت العقيدة صحيحة وصائبة ومؤدية الى الفوز الأخروي .وهذا ما رأيناه ومازلنا نراه من محبي محمد وآله (ص) الذين اعتقدوا بولائهم ووجوب طاعتهم وهم يضحون بالأرواح من اجل الولاية .
ونرى ذلك في وقتنا المعاصر في هبتّهم لحماية المقدسات ما ان اعتقدوا ان خطرا قد يهددها .ونرى صبر الوالدات الماجدات على فقد فلذات اكبادهن في سبيل الله ونصرة للدين وهذا من ارقى انواع الفداء .
ولكن هناك فداء لا مثيل له ..حدث ان امرأة وليدة الطهر انتقاها سيد البشر في زمانها لتكون زوجة له.. فأبت! فأبت الا ان تكون خادمة بين يديه وخادمة لأولاده..
انجبت له اربعة أولاد كانوا وصفا للبطولة والإباء.. اعطتهم درسا عظيما هو انه مهما كبر سنهم و قوى بناءهم فهم ليسوا الا خدما عند سادتهم.. ومازالت تدرسهم حتى حان وقت الاختبار الذي كانت تترقب نجاحهم فيه .
ذهبوا الى المعركة مع اخوهم وسيدهم ابن فاطمة.. فبدأت دروس الوفاء تشع من وجودهم ليسطرها التاريخ على أنها الاستثنائية .الاخ الاكبر "قمرهم" قدم اخوته امامه ليفي بالوعد بأن يقتلوا جمعيهم فداء لسبط الرسول صلى الله عليه وآله.. حتى حان دوره.. بتلك الهيبة التي يحملها وصل الى النهر وهو يتلظى عطشا أخذ الماء بيده وصفع به وجه النهر وقال مخاطبا نفسه :
يا نَفْسُ من بعدِ الحسينِ هُوني
وبعدَهُ لاَ كُنْتِ أنْ تَكوني
هذا حسينٌ واردُ المَنونِ
وتَشْربينَ بارِدَ المَعينِ
ليخبر الكون بأسرى انه ترك الماء وفاءا لعقيدته وهدفه وهو الحسين عليه السلام فقط ..هنا لم يطبق درس من دروس الوفاء وحسب انما سطر دروس في الوفاء لن يعقل ان يأتي احد بمثلها ابدا ..وتلك العظيمة التي كانت تترقب نجاح اولادها وسلامة هدفها جالسة تنتظر الخبر ..حتى جاء بشر ابن حذلم حاملا مع الاخبار.. بجلالها وهيبتها ذهبت تسأله بكل حواسها عن سبب وجودها وإمامها.. سألته عن الحسين عليه السلام.. فما ان عرف انها ام العباس واخوته حتى بدأ يخبرها بحال اولادها تدريجيا خوفا على قلبها الطاهر.. برغم ان خبر رحيل اولادها كان كالصاعقة على قلبها.. الا انها كانت تحسبه نجاح لتربيتها.. وتطبيقا لما كرست نفسها من اجل تعليمهم اياه "فداء سادتهم"..
لذلك مازالت واقفة مرفوعة الرأس على امل سلامة من هو اعز.. وما أن سمعت بإستشهاده حتى وقعت على الارض متألمة، متحسرة.. وهي على حالة الحزن والألم مشاركة الآل مصابهم.. حتى رحلت الى بارئها.
وجاءها التكريم حيث روي :
إنّ الزهراء عليها السلام تأتي يوم القيامة للشفاعة ومعها بعض المصائب التي تحملتها في سبيل الله تأتي وعلى كتفها الأيمن قميص الحسن (عليه السلام) وعلى كتفها الأيسر قميص الحسين عليه السلام.. وبين يديها طبق فيهِ جنينها المحسن عليه السلام، السقط، فيأتي إليها جبرائيل (ع) فيقول لها: يا سيدة نساء العالمين.
بم تبدئين بالشفاعة؟
أبإسقاط جنينك المحسن؟
تقول: لا.
فيقول: أبقتل أبن عمك علي بن أبي طالب؟.
تقول: لا.
فيقول: أبقتل أبنكِ الحسن؟.
تقول: لا.
فيقول: أبقتل أبنكِ الحسين؟.
تقول: لا.
فيقول إذن بمن تبدئين يا زهراء؟. عند ذلك تُخرج الزهراء كفي أبي الفضل العباس وتقول: يا عدل يا حكيم أحكم بيني وبين من قطعوا هذين الكفين، ما ذنب هذين الكفين حتى يقطعا من الزندين؟ *وهذا تكريم من مولاتنا الزهراء لوفاء ام البنين عليها السلام.. فتؤجل كل مصائبها وتبدأ بالعباس عليه السلام ..
إنها جامعة الوفاء أم البنين عليها السلام.
فسلام على الطاهرة عزيزة الزهراء يوم ولدت ويوم ماتت ويوم تبعث حية .
اضافةتعليق
التعليقات