كان أحد تجار السجاد جالساً في دكانه، في سوق رئيسي من أسواق اصفهان، عندما شاهد رجلاً يزرع الأرض جيئة وذهابا، وعيناه على الأرض، وكأنه يبحث عن حاجة ضيعها، ولما تكرر له مشهد الرجل في اليومين التاليين، دعاه التاجر قائلاً:
_ أرى كأنك تبحث عن حاجة ضيعتها هنا؟
فقال الرجل: نعم... فأنا قد ضيعت حظي في بلدكم!
ومن الجواب تبيّن أنه ليس من أهل اصفهان، فقال له التاجر:
_ كيف يمكن للمرء أن يضيع حظه هنا؟
فأجاب الرجل: يا هذا، أنا رجل من أهل مدينة يزد، وقد ضاقت بي الدنيا هناك، وكنت سمعت الكثير عن أصفهان، حتى قيل لي، إن الأموال مرمية على الأرض في أسواقها، فشددت رحالي وصفيّت أموري كلها، وجئت إلى بلدكم، ولكنني كلما بحثت عن الأموال المرمية على الأرض لم أجد منها شيئاً، وهكذا ضيعت حظي عندكم..
فقال له التاجر: ما قيل لك عن بلدنا صحيح، والأموال بالفعل مرمية على الأرض هنا، ولكنك لا تعرف كيف تلتقطها. فلكل شيء مدخله، وأنا أعلمك ذلك، بشرط أن تنفذ تعليماتي بصبر وأناة.. فهل أنت مستعد لذلك؟
قال الرجل وكأنه غير مصدق: لا بأس... ولنبدأ من الآن.
قال التاجر: اعتبر نفسك عاملاً لدي من غير أجر، والذي عليك الآن هو، أن تمشي في الطرق المحيطة بنا، وتلتقط كل ما يرميه الناس من قطع القماش، أو قطع الخشب، او الحديد وما يمكن ان ينفع، مهما كان تافهاً، وتأتيني به.
فقال الرجل: وماذا بعد؟
قال التاجر: لكل حادثة حديث.
فقام الرجل بما طلبه منه، وعند المساء كان قد جمع مقداراً لا بأس به من تلك الحاجات، فقال له التاجر: غدا تذهب بقطع القماش إلى الندافين، وبقطع الخشب الى النجارين، وبقطع الحديد الى الحدادين، وتبيعها لهم بأي ثمن مهما كان زهيداً، وتأتيني بالمال.
وهكذا كان... ثم إستمر في عمله ذلك لفترة طويلة من الزمن حتى إجتمع لدى تاجر السجاد من المال ما يكفي لشراء بضائع رخيصة لإعادة بيعها، وذلك بدلاً من جمع تلك النفايات من الطريق.
فقال الرجل: خذ هذه الأموال، واشتر بها بعض الشموع، وقف عند مدخل هذا الشارع وإعرضها بيدك على المارة، وإذا بعتها فآتني بثمنها..
وفعل الرجل ذلك لعدة أيام، فزاد رأسماله قليلاً. ثم طلب منه أن يستأجر محلاً صغيراً يبيع فيه الحاجيات البسيطة، وعلى أن لا يصرف أي شيء من المال الذي يحصل عليه إلاّ بمقدار قوت يومه وإيجاد مسكنه...
وبعد مرور سنة كاملة كان الرجل قد فتح محلاً أكبر وأخذ يبيع فيه بضائع مختلفة.. ثم تطور عمله، فاشترك مع تاجر السجاد في بعض الصفقات. ولمّا زادت أمواله فتحا محلاً كبيراً لبيع السجاد، وزادت أرباحه حتى استطاع ان يشتري حصة صاحبه ويصبح تاجراً مثله..
وذات يوم قال له التاجر الأول: كيف هي أوضاعك هذه الأيام؟
قال الرجل: إنها جيدة ولله الحمد.
فقال التاجر: وكيف تجد فرص العمل في اصفهان؟
فقال الرجل: انها كأفضل ما يمكن.
قال التاجر: ألا ترى معي أن الأموال مرمية على الأرض في طرقات اصفهان كما قيل لك في بلدك؟ ولكنها بحاجة إلى من يعرف كيف يلتقطها؟
قال: هو كذلك.
قال: وهل وجدت حظك في بلدنا؟
أجاب الرجل: هو كذلك.
إن النجاح صناعة يدوية، فالناجح يصنع نجاحه بيديه.. وكذلك الأمر بالنسبة للفشل. ومن هنا فإنه في الوقت الذي لا يربط فيه الناجحون نجاحهم بالحظ الحسن، فإن الفاشلين ينسبون فشلهم إلى الحظ السيء، او الظروف المعاكسة، أو مؤامرات الآخرين..
فالفرق بين الناجح والفاشل ليس في أن الناجح يجد نفسه في النور، والفاشل يجد نفسه في الظلام، فكلاهما قد يجد نفسه في غرفة مظلمة. إن النجاح مغامرة عمل، يحصل صاحبها في النهاية على شهادة نجاح، تماماً كما يحصل المتسابق في السباحة على شهادة التفوق بعد أن يكون قد إجتاز العقبات واحدة تلو الأخرى.
اضافةتعليق
التعليقات