تعد الشناشيل من جماليات الفن المعماري القديم حيث أخذت حيزا كبيرا للفنون الفلكلورية لما لها من لمسات مميزة امتازت بين الرسوم والزخارف والمجسمات الجذابة.. (بشرى حياة) تنقلنا في سياحة معرفية للتعرف على تفاصيل الفن المعماري للشناشيل..
جولة توثيقية
تنقل لنا المصورة الفتوغرافية أمل ياسر تجربتها في توثيق الأماكن التراثية قائلة: على المصور أن يكون مدونا قبل أن يتخذ من عمله مصدرا للرزق، إذ يجب أن يبدأ بتوثيق معالم مدينته والمدن الأخرى من بلاده.
فقد أوليت اهتماما خاصا باختيار الأماكن التراثية كأرشيف مميز لعملي من ضمنها الفن المعماري للشناشيل حتى أني وضعت مجموعة من الصور على جدار الاستوديو الخاص بي لمعالم بلدي الجميلة.
و يرى المصور الفيديوي سرمد الحسيني، أن اختيار الأماكن الأثرية كمادة أساسية لعمل المصور شيء مهم فهو ينقل بذلك حضارة بلده ولأنه يعمل مخرجا للأفلام القصيرة والاعلانات كانت له زيارات عديدة للأماكن التراثية إذ يعتمد غالبا على تصوير الأزقة الضيقة والشناشيل كهواية لحبه لتلك الأماكن حيث يستنشق بها عبق الماضي الجميل.
مضيفا، بأنه زار العديد من المدن العراقية التي تحتضن هذا الفن المعماري المرموق على حد وصفه مثل النجف والموصل وأحياء بغداد القديمة فضلا عن مدينته كربلاء المقدسة.
كما قام بتصوير فيلم وثائقي قصير عن الفن المعماري للشناشيل تناول تاريخ ظهورها وكيفية صناعتها.
فسحة فلكورية
فيما قال الباحث الاجتماعي هادي نصر بهذا الجانب: تعد الشناشيل فن معماري فريد من نوعه وتراث يحمل بعدا اجتماعيا امتزج بين البساطة والهندسة الدقيقة لترسم لنا بذلك فسحة فلكورية توثق تراثنا الخالد.
وبحسب ما يذكره المختصون عن جماليات هذا الفن بأن الشناشيل عبارة عن بناء خشبي يكون على شكل مربع أو مستطيل، مزخرف ومصمم بدقة لتحيط الفتحات في الجهة العلوية للأبنية، ويمكن التحكم بها عن طريق وضع فتحات صغيرة للتهوية وتزويدها بالأبواب، وكثيراً ما يتم تزيينها بمزهريات الورود ونباتات الزينة الخضراء.
وأول ظهور لها كانت في مدينة البصرة ثم انتقل هذا الطراز إلى بغداد وبعد ذلك تلتها باقي المدن العراقية وبدأت تتطور بإضافة لمسات جديدة ومختلفة برؤية المهندس المختص.
وقد تنوعت بالشكل والمحتوى وجاءت متطابقة مع الذوق العام، ولا تنحصر أهميتها فــي خصائصها الفنية فقط بل تتعداها إلى أهمية اجتماعية أيضا، إذ جاءت الشبابيك الخشبية البارزة ذات الزجاج الملون بإطلالة خاصة على الأزقة والشوارع لتسمح لأهل الدار بالنظر من خلالها إلى الشارع بينما لا يستطيع المارة أن يروا ما في الداخل وهذه الخاصية مهمة بالنسبة للنساء، كما تمنح تقارب اجتماعي حيث تتبادل النسوة منها سابقا التحايا والحديث.
ويرى المهندسون المعماريون أن الخشب الذي يشيّد منه الشناشيل أسهم في التخفيف من وزن الأبنية وذلك لسهولة التعامل مع الخشب في مجال العمارة والنقوش مما أدى إلى تنوع أشكال الشناشيل ومحتواها حسب ذائقة أهلها وما أبدعته أنامل المهندس وإرضاء ذائقة المجتمع المتنوع.
فضلا عن كونه مادة لا تكتسب حرارة وافيه في الصيف لذا أمست الشناشيل من أهم الشواخص المعمارية التي تحاكي الهوية الجمالية للمدن العراقية وأحيائها وأزقتها القديمة.
ولا يقتصر تصميم الشناشيل على الجمالية التي يتحسسها الناظرون وإنما هي طريقة هندسية متطورة في وقتها لإدخال الهواء البارد وإخراج الهواء الحار، أي هي وسيلة لعملية تبديل الهواء في الأبنية التي تحتشد مع بعضها بسبب ضيق الأزقة.
ويرى نصر أن زحف العمارة الحديثة مؤخرًا بدأ يشكل تهديدًا متناميًا للشناشيل، وقد يفضي في نهاية الأمر إلى اندثارها.
وفيما يخص معنى كلمة شناشيل قال: أنها كلمة فارسية مركَّبة من (شاه نشين) بمعنى محل جلوس الشاه، ويذكر أحد المؤرخين أن الشناشيل يطلق عليها أيضاً الأجنحة والرواشن، مفردها روشن، وهي لفظةٌ فارسية أيضاً ومعناها الضوء، والروشن تعني الرَّف.
كما أوضح أن هذا الفن المعماري الجميل قديمٌ جداً في كربلاء وكانت العديد من الأبنية والبيوت الكربلائية تحتضنه وتعتز به لجماليته العالية، لكنه أصبح الآن من التراث وليس هنالك سوى بعض الأماكن التي تضم هذه الشناشيل فيما انعدمت في أماكن أخرى.
اضافةتعليق
التعليقات