الأطفال زينة الحياة الدنيا فلا تكتمل الحياة الأسرية دونهم وان توافق الزوجان فيما بينهما يبقى هناك فراغ في نفس كل منهما يلوذ به حينما يرى كل من أقرانه قد أصبح لديه أطفال وعائلة، ويبدأ ذلك الفراغ بالاتساع ليتحول إلى شق كبير، البعض منهم يتجاوز تلك المرحلة ويتقبل حياته ويرضخ لإرادة الله تعالى، وكثيرا ما تجري الرياح بما لا تشتهي السفن فتتحول حياتهم إلى جحيم، حيث توصلهم تلك الرياح إلى طريق مسدود لينتهي بهم الأمر إلى خلافات من جراء عقم احدهما، خصوصا ان مجتمعنا الشرقي كثير التركيز في مسألة الإنجاب في السنة الأولى من الزواج وان حصل أي تأخر تبدأ مضايقات الأهل والأقارب والسؤال الملح للزوجة المنكوبة (لماذا لم تحملي بعد؟).
فهل يمكن أن تستمر العلاقة الزوجية بدون إنجاب أطفال أم تنتهي بالانفصال، حتى وان كان الزواج مبنيا على عاطفة متينة في حالة عدم الإنجاب؟
بصيص من الأمل
"تكوين أسرة وإنجاب أطفال حلم كل زوجين، فمشاعر الأمومة والأبوة فطرة لدى كل شخص"، ويضيف زيد فوزي/ 38 سنة: اعجز عن وصف حياتي التي أخذت تنهار بسبب الأطفال، قضيت سنوات أتجول بين عيادات الأطباء أنا وزوجتي وكان الجواب دائما إننا لا نعاني من اية مشكلة تحول دون الإنجاب، وبقي سر عدم قدرتنا على الإنجاب مبهما وفي كل مرة تطول النزاعات فيما بيننا حتى أصبحت لغة الحوار معدمة، واكتضت حياتنا بالمشاكل بسبب وبدون سبب ولأبسط الأمور تتعالى أصواتنا، حتى أصبح كل منا يعيش في وادي آخر، حصلت على فرصة عمل خارج العراق، اعتقدت ان سفرنا وانشغالنا كل في عمله لربما سيغير من رتابة حياتنا والفتور الذي لازمنا بسب الطفل الذي أصبح كابوسا..
طلبت مني أن نجري عملية زرع اجنة لكني رفضت بشدة ليقيني بأننا لا نعاني من أية مشكلة وبأن الله لم يأذن بعد برزقنا الذرية، وبإصراري بالرفض وجدتها تطلب الطلاق، لم يشفع ذلك الحب بإستمرار زواجنا وكأنه تلاشى ولم يكن له وجود، تركت البيت لتعيش في بيت صديقتها حتى موعد جلسة الطلاق وفي ذلك اليوم رحت اعدو بخطى ثقيلة لامتثل لطلبها وما ان رأيتها حتى اغمى عليها وبعد نقلها إلى اقرب مشفى خرجت الممرضة تخبرني ان زوجتك حامل.
لا يسعني وصف الذهول الذي اعتراني حينما وقع الخبر على مسامعي وكأن كل تلك السنوات عادت بي وتلاشت كل خلافاتنا وراحت هي تذرف الدموع من فرحة كانت تتأملها منذ سنوات خلت، اليوم نحن ننتظر قدوم ذلك الطفل الذي كان سيفرقنا، فلولا ذلك الحمل المباغت لم يولد بصيص امل بأن تستمر حياتنا معا.
فيما قال غيث كريم/ 36 سنة، في مستهل كلامه وبيأس: لا أمل في الأفق فقد انتهى زواجي بسبب الأطفال، انقضت 12 سنة من زواجي، واجهنا الكثير من التساؤلات التي لا تنتهي حيال تأخرنا بالإنجاب سعيت جاهدا لحل هذه المشكلة لكن دون جدوى حتى انتهى الأمر بالطلاق، عدت للعيش مع أبي وأمي وأنا اجر أذيال اليأس خلفي، عشت وسط دوامة من الإحباط، حاولوا أسرتي تزويجي لكن الرفض كان دائما يكون قريني حتى يأست من ان تكون لي حياة واسرة احتويها وتحتويني، وما هزني مؤخرا هو نبأ زواج طليقتي وحملها الذي جعلني افقد بصيص الامل بأن اكون اباً .
ومن جهتها قالت منى عبد الأمير/ 25 سنة/ ربة منزل: تزوجت منذ سبع سنوات والمتعارف في محيطنا الاجتماعي يجب أن ألد في أول سنة من زواجي وكأن الأمر بيدي، وحصل ما تمنيته لكني خسرت الحمل لأسباب اجهلها وبعد مراجعتي لعدة أطباء كانت الإجابات متناقضة، ومرت السنوات وكنت في كل عام اخسر الحمل في شهور متقدمة حتى اخذ اليأس ينتابني وتغيرت معاملة زوجي معي وفاجأني بقرار زواجه الثاني مدعيا ان السبب بي وانه لايعاني من أية مشكلة، رفضت ان تكون لي ضرة وطلبت الطلاق وقد لبى رغبتي دون أي اكتراث او اعتراض وتزوج بأخرى.
مرت سنوات على زواجه ولم تلد زوجته المولود المرتقب وتناقلت إلى مسامعي خلافاته التي لاتنتهي بسبب موضوع الانجاب، تزوجت برجل أرمل ولديه اربعة اولاد، سعدت بتلك الزيجةالتي عوضتني عن حرماني بمشاعر الامومة وبعد عامين رزقني الله بطفل، لا اعلم ما اقول فقد تضاربت المشاعر بداخلي، لايسعني سوى قول: ان قدر الله فوق كل شيء.
وفي السياق نفسه قالت بشرى علوان/ معلمة/ 41 سنة: كانت تمر سنوات عمري وأنا اذبل وأقف منكسرة، لا يسعني القول غير (قدر الله وما شاء فعل)، انقضت 15 سنة تلقينا خلالها انا وزوجي الكثير من الانتقادات والكلام الجارح ومحاولات من الاهل والاقارب في تفكيك حياتنا الزوجية بسبب الانجاب حتى بعد سفرنا إلى سوريا للعلاج لكن دون جدوى،واخيرا قال زوجي بحدة لن نزور أي طبيب وانتهى الأمر، لقد عشنا نصف حياتنا معا لوحدنا وسنكمل هكذا، وراح كل منا ينغمس في عمله وبداخله حزن يخفيه عن الاخر، وفي يوم تعرضت لمغص شديد، نقلني زوجي إلى اقرب وحدة صحية ليخبرني ممرض المختبر اني حامل، وبأني لا اعاني من مغص او تسمم كما كنا نعتقد وانما حالة الاستفراغ هذه هو الوحام.
اكتفينا بالصمت فلربما كانت التحاليل خاطئة وبعد ان اجرينا فحوصات طويلة المدى تأكد الحمل وكان بمثابة معجزة قد تحققت بعد سنوات الحرمان.
رزقنا الله بولدي (سيف علي) وفي هذا العام ولدت ولدي الثاني (حسين)، لا اعتقد ان عدم الانجاب يسبب الطلاق اذا كان هناك حب عميق بين الزوجين وقناعة ورضا بقضاء الله عز وجل .
الباحثة الاجتماعية
الاستشارية النفسية ايمان الموسوي كانت لها هذه المداخلة حيث قالت: ان مشكلات عديدة تظهر في مجتمعنا الشرقي بسبب تأخر الزوجين في الإنجاب، فتبدأ مضايقات الأهل والأقارب وكثيرا ما ترفدني مشكلات بصدد هذا الموضوع الا وهو تأخر الانجاب، لكنها ليست بظاهرة انما هي حالة يعاني منها الكثير، وقد يتسبب الاهل بتحريض الزوج على الطلاق او الزواج بأخرى، وهناك الكثير من النساء عشن تجربة الحزن والأسى والحرمان من عاطفة الأمومة ودخلن في تجربة الطلاق المريرة بسبب عدم قدرتهن على الإنجاب وغالباما يصيب احد الزوجين بأثر نفسي بسبب ذلك، قد يأتي على هيئة عدم الرضا والإحباط، واحيانا يسبب الاكتئاب لفكرة عقم أحدهما حيث يعتبران الانجاب هو فقدان الهدف من الحياة الزوجية.
واضافت الموسوي: ان غريزة الأمومة عند الأنثى قوية جداً والعاطفة تحتل المراتب الأولى في نفسها، وقد تكون نتيجة تقبل عقم أو ضعف أحد الزوجين متوقفة على عقلية الشريك وإيمانه بقضاء الله وقدره، حيث أن الأمر يكون دائماً صعباً في البداية ويشكل صدمة للطرفين،وبأن التقويم النفسي في حالات العقم لدى أحد الزوجين يتطلب جلسات نفسية تساعد الشخص على تحليل الموضوع بوسائل مختلفة وتدفعه إلى الانشغال بأمور فيها إثبات للذات مما يؤدي إلى تخفيف التوتر الناتج عن العقم، أما الأهل فتختلف ردود فعلهم باختلاف عقلياتهم وتفكيرهم وإيمانهم.
واكدت الموسوي: ان التفكك الأسري هو وجود الأب والام والأولاد لكن ينعدم بينهم التواصل والعاطفة وهذا ما يقود إلى التفكك وليس تأخر الإنجاب، وللحد من هذه الحالات ولعدم تفاقمها أقام مركز الإرشاد دورات توعوية وتثقيفية ما قبل الزواج حتى إنها خصصت هدايا ومبالغ مالية لتلبية دعوات الحضور لكن وللأسف لم تكن هناك أية استجابة ولكنهم يلجؤون للاستشارة في المركز بعد وقوع المشكلة .
الاستشارة الطبية
وشاركتنا أخصائية العقم والتوليد الدكتورة سوزان عباس حول موضوع تأخر الانجاب حيث قالت: يتأخر الحمل لدى المرأة لسببين منها العضوي ومنها النفسي وقد أثبتت دراسات علمية على عدم وجود سبب حقيقي لتأخر الحمل اذ قد يكون لا يوجد أي عيب خلقي او عضوي، ويتأخر الحمل أيضا حيث أن الزوج منفردا مسؤول عن 25 % من أسباب تأخر الحمل، والزوجة مسؤولة أيضا منفردة عن 75 % أخرى من أسباب تأخر الحمل، والنسبة الباقية تكون مسؤولية مشتركة بين الزوج والزوجة، وبالتالي يجب ان يقوم الزوج بإجراء تحاليل، وتناول برنامج غذائي خاص، وكذلك يجب الاهتمام بأكل الفواكه والخضروات بشكل يومي، لأن ذلك يساعد على علاج التكيس، كما أن تأخر معدلات الإنجاب عند المرأة يعزىإلى تأخر عمر الزواج لدى المرأة التي تنخفض معدلات خصوبتها بعد سن الثلاثين، وفقا لما أشارت إليه العديد من الدراسات التي أجريت حول العالم، ومن الأسباب العضوية التي تأخر الإنجاب لدى المرأة، قصور في نمو الغدة الدرقية والتي ينجم عنها الزيادة المفرطة بالوزن وارتفاع معدلات السكر في الدم، أو قصور في إفراز بعض الهرمونات، وعند الرجال اسباب كثيرة منها التهاب البروستات وهذه تعد مشكلة كبيرة لدى الرجال.
وختمت حديثها: ان تأخر الحمل يعد من أول الأسباب التي تؤدي إلى تفكك العلاقة الزوجية. وتبقى إرادة الله سبحانه وتعالى فوق كل شيء .
اضافةتعليق
التعليقات