مُنذ أن وقفت في المسجد وقد نيطت دونها مُلاءة ثم أنَّت أنّة فسكّت القوم جميعاً حتى يكاد هدوء أنفاسهم يبلغ أعنان السماء والكلمة تفتخر بمجدها وإنتصار قوتها الذي بات جلباباً لكل من يسعى ليحمل راية الحق ويُقاتل بسلاحٍ قل نظيره (القلم)، فعهد الكلمة قد إنبلج وأشرقت شمسه إيذاناً بـبدء سلطته وتربعها، ولأنها تُؤمن بقوة السلطة التي تمارسها الكلمة اليوم ومدى أهميتها في تشكيل ملامح المجتمع وقولبت أُسسه ومبادئه وتزامناً مع الولادة الميمونة للصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) أطفئت أُسرة بُشرى حياة شمعتها السابعة وبهذه المناسبة العطرة أقامت أُمسيتها الثقافية بعنوان: قوة الكلمة عند السيدة الزهراء (عليها السلام) وذلك في 21 جمادي الثاني 1444 هـ الموافق 14/ 1/ 2023م في قاعة ميراج في كربلاء المقدسة وسط حضور نسوي متميز لمجموعة من الكاتبات المُلِهمات ممنَّ يحملنًّ هوية الابداع والثقافة الاسلامية كما أرادها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وثبَّت قواعدها في المجتمع الذي كان يعاني إنحلالاً على جميع الأصعدة ..
أدارت الأمسية الكاتبة ولاء عطشان وعضو في أسرة تحرير موقع بشرى حياة حيث قالت:
من الزهراء استلهمنا الكلمة الطيبة لنتعلم كيف تكون لكلمتنا القوة والأثر حيث يقول الرسول (صلى الله عليه وآله): إن الكلمة الطيبة صدقة، حيث دافعت الزهراء (عليها السلام) بالكلمة وطالبت بالحق ووقفت أمام الأعداء بالبيان والبلاغة وكيف أثرت بالجميع.
كما بينت أهمية دور المرأة يكمن في إنشاء جيل مثفف وواعٍ لأنها الأساس في إعداده وتحديد هويته ما إذا كان صالحاً أم لا.
افتتحت الأُمسية بـكلمة لمديرة جمعية المودة والازدهار النسوية الأستاذة زينب صاحب مُتناولة إحدى الدراسات التي تبين قوة الكلمة ومدى تأثيرها على الدماغ وبقية أعضاء الجسم.. واليوم ونحن على بعد ألف ونيف من السنين والسيدة الزهراء (صلوات الله عليها) هي القدوة العظمى لكل مخلوقات الله بقوة الكلمة ومدى تأثيرها! وكمثال صريح على ذلك الخطبة الفدكية التي هي خلاصة الإسلام ومازالت تصكُ مسامع الدهر في قوتها وعظمتها!.
ولكن السؤال الذي ينقدح في الأذهان والكل مسؤول عن الإجابة عليه: كم بحث ومقال قُدم عنها؟ كم هو الوقت الذي خصصناه لمطالعتنا وإبحارنا بين طياتها؟ وكم كتاب كتب عن مضامينها وشرحها؟.
وبلا شك سيكون الجواب صادم يُنبىء عن مسافة شاسعة بيننا وبين هذا الصرح العظيم؟! لماذا؟ الجواب نتركه لحضورنا وقُراءنا الأفاضل ..
قد يتساءل البعض: متى تكون الكلمة قوية؟
فالكلمة أقوى من آلاف السيوف وصرير القلم أمضى من فوهات المدافع، فكم من كلمة سحقت ترسانات حربية كبيرة، وكم من سيف تهاوى خجلاً أمام كلمة حق.
الجواب يمكن أن يُلخص بـنقاط أربعة :
١- عندما تؤثر بالتأريخ وتُصحح مساره: فالمصلحون دائما من يحملون على عاتقهم هذا التصحيح حتى وإن لم يكن تأثيره آني وفوري ولا يمكن أن يحدث بين ليلة وأُخرى وإنما يحتاج لفترة من الزمن حتى تُرى ثماره ..
٢- عندما تحمل المبادىء والقيم الصحيحة، فكلما كانت المبادئ أقوى كانت أساس في بناء المجتمعات الصالحة (أيّها الناس! اعلموا أنّي فاطمةّ! وأبي محمّد أقول عَوداً وبدءاً. ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططا) فالكلمة التي تُحاكي المبادىء والقيم وتُدافع عنها لها صلابة ووقع في نفوس الآخرين.
٣- عندما يكون فيها عمق فكري وتحليلي وبعيد كل البعد عن السطحية ولكن يناقش الأسباب والحلول واعطاء رؤية واضحة يمنحها حصانة القوة والتأثير..
٤- عندما يتجلى الإخلاص بالكلمة، إذ إن هدفها لم يكن سوى بيان الحق وايصال الرسالة المحمدية الحقة إلى المجتمع، لم يكن همها (عليها السلام) المصلحة الشخصية بتاتا ولكن ماكان يؤلمها الشرخ والإعوجاج الذي حصل في الأمة.
عالم اليوم تحكمه الماديات والمغريات التي لا تعد ولا تحصى !فالكاتب الذي يبقى متمسكاً برسالته، مؤمناً بمبادئه بلا شك يمتلك قوة الكلمة التي يطبعُ تأثيرها في النفوس فالإخلاص هو البوصلة التي تترك أثراً جلياً خلفها ..
بهذه النقاط الأربعة التي تُلخص قوة الكلمة وإيماناً بمدى أهميتها تأسس موقع بُشرى حياة وهو الموقع الأول لعله في الوطن العربي أو على مستوى العراق الذي يضم بين أروقته أقلام نسائية مبدعة حيث إستقطب على مدى سبعة أعوام أربعة وثمانون كاتبة .
مشروع الكتابة يحتاج إلى سعة صبر عالية وعدم التسرع في قطف النتائج اضافة إلى ذلك مدى قوة الرسالة التي يحملها الكاتب.
وتابعت حديثها إلى أنَّ موقع بشرى حياة يعد نافذة لجمعية المودة على العالم، وهو مصنع لتصحيح الأفكار الخاطئة ونشر الأفكار القيَّمة، مُبينة إلى إنهم يسعون دائماً ليكون طرحهم طرحا معتدلا يواكب القضايا العصرية ويطرح القضايا الفكرية والثقافية والاجتماعية مع المحافظة على الأصالة الاسلامية والشيعية وهو الهدف الأسمى الذي لايجب أن يتلاشى ويبهت في ظل العولمة والسطحية والتفاهة التي تحكم عالم اليوم ..
وتابعت إلى أن صناعة نموذج المرأة الشيعية المثقفة والواعية التي تكون قادرة على طرح ومناقشة ومعالجة ما يعتري حياتها واخراجها عن النمطية الموجودة هو الهدف الذي نسعى للوصول إليه من خلال موقع بشرى حياة.
وأضافت الى نقطة جوهرية قد يغفل أغلب الكُتّاب عنها وهي لابد أن نجعل أهدافنا كـكُتَّاب مؤثرين تصدير الأفكار وليس استهلاكها من الغرب والذي يخلقُ ضياعاً في أفكارنا وتأريخنا وهويتنا فلا تصل للجيل الحالي وبالتالي يخلقُ فراغاً فكرياً كبيراً.
وكان مسك كلامها أن طموحاتنا هي أكبرُ مما حققناه ولازلنا في بداية الطريق وسيبقى السعي مستمراً لتحقيقها..
وكان للكاتبة زينب الأسدي كلمتها قائلة: كان المجتمع العربي يهبُ الذكر كل المزايا والفضائل الانسانية فـالولد ليس عامل كسب وثروة فقط أو حامي القبيلة في الغزوات بل وارث كل مظاهر الآباء أما البنت فهي مُعالة في بيت الأب تنصهرُ شخصيتها بعد الزواج في عائلة غريبة لا تستطيع بها حتى الإحتفاظ بـلقبها، أبناءها يخصون عائلة أُخرى، عورة ضعيفة إلى درجةٍ تحتاجُ من يُدافع عنها دائماً لذلك كانوا يفضَّلون قتلها.
متى ما وِلدت! والرجل الذي لا صبي عنده أبتر عقيم بلا إمتداد ولا إستمرار والكوثرُ تعني الامتدادُ والإستمرار والخير والبركة والوفرة.. في جو كهذا كان التقديرُ وراء ستار الغيب يعملُ حثيثاً من أجل خوض كل شيء وانهيار كل شيء وخفية يخطط لثورة تقتلع الجذور وعاصفة تُثير كل شيء في هذا المُستنقع ..
فاطمة آخر بنت لعائلة طالما إنتظرت المولود الذكر ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم يعرف ماذا تفعل به يد القدر..
ورثتهُ فاطمة الأُنثى بكل الخصال والسجايا الناشئة من السماء فهي صنيعة الإيمان والجهاد والثورة نسيجُ جميل لقيم الروح المتعالية تبدأُ من آدم وتمرُ على كل رجال الحرية واليقظة البشرية لتصل إلى إبراهيم العظيم وتُلحق بها موسى وعيسى مُتجهة نحو محمد صلى الله عليه وآله كي تنتهي بآخر حلقة في سلسلة العدل الإلهي ..
لهذا وقف التأريخُ مدهوشاً أمام أب وإبنته راكعاً أمام هذا الملاك البشري ..
إتصفت الزهراء بالشجاعة الأدبية فأخرجت للناس دفائن الحكمة والبيان الساحر وعند من يُمعن النظر في أسلوب الزهراء الخطابي الرصين وبلاغتها البيانية يتضح له ما ينطوي عليه من معانٍ واضحة وبصيرة نفَّاذة وكمثال على ذلك إنها إستطاعت أن تُسيطر على نفوس مُستمعيها في أحرج موقف ولعل السر في نجاحها هو البلاغة.. البلاغة التي أحكمت المحتوى واستطاعت أن تُحرك من خلالها جمود التأريخ وسيطرت عليه بالإصلاح الشامل وبيان الواجب المُلقى على عاتق كل مسلم ..
إن الحديث عن فاطمة حديث ذو شجون لذلك المهمة صعبة والطريقُ متعرجٌ وموحلٌ زلق ولقد ارتأت بشرى حياة أن تحمل هذا البيرق من قبل مجموعة من الأقلام النسائية الناشطة في حركة نوعية قل نظيرها وفي زمن صعب استطاع أن يُحقق فيه مُنجزاً منفرداً من خلال الكفاءة العالية ودقة إنتخاب الموضوع وصب ذلك في قالب جميل يتسمُ بالفن مراعياً كل الجوانب التقنية ليحرز بحمد الله نجاحاً متميزاً بإضافة الأجناس الأدبية المتنوعة ومن أبرزها القصة القصيرة حيث نُشر في صفحة الموقع مُنذ إنشائه إلى الآن أكثرُ من مئة وخمسين قصة وما زلنا نحثُ الخطى في دق عجلات التطور .
أما الكاتبة زهراء وحيدي فقد تحدثت عن أهمية الكتابة بالنسبة للمرأة حيث قالت: العالم يكتضُ اليوم بالكُتاب والكاتبات وكلٌ في مجاله فهناك من يكتب في مجال الصحافة العامة وهناك من يكتب في مجال الفن وهناك من يكتبُ في مجالات مختلفة كالصحة والعلوم وغيرها ولكن بالتأكيد نحن كنساء مُسلمات مهدويات نختلفُ عن غيرنا لسببين مهمين :
الأول: الهوية الإسلامية التي تُحملّنا مسؤولية كبيرة إتجاه نصرة الحق والوقوف بوجه الباطل .
الثاني: لأن المرأة تُمثل المكون الأساسي في المجتمع إذ أن لها مقام عالٍ في بنائه والقرآن يصدح بالأمثلة التي تُوضح هذه الصورة فوجودها محوري في المجتمع فلو صلحت صلح ولو فسدت فسدَ.
وكما هو معروف لدى الجميع فإن العدو يستخدم أبشع الأساليب والطُرق ليضرب المجتمع الإسلامي ولأن المرأة تُمثل الكيان الأبرز للمجتمعات لذلك تعتبر المرأة المسلمة هي الهدف الأول للعدو.
ولعل الكتابة كانت وما زالت هي النموذج الأقوى في العالم فالكلمة اليوم تعادل الرصاصة التي تُطلق في ساحات الحرب فالتي تحمل قلماً إسلامياً مهدوياً مقاوماً تعادل من يحمل البندقية في وجه الأعداء ..
الكتابة مهارة مُكتسبة بإمكان كل نساءنا أن تمارسها بإتقانٍ إنَّ تمكنت من تحمل المسؤولية المُلقاة على عاتقها ونهضت بهذا المجتمع من خلال قوة الكلمة..
وقالت الكاتبة هاجر الأسدي حول أهمية القراءة والكتابة في رفع المستوى الثقافي: إن بشرى حياة تتناول القضايا التي تهم المرأة على وجه الخصوص لتقويمها وطرح الصالح منها وقد خصصت جمعية المودة في صب مجهود للقراءة فأسست نادي أصدقاء الكتاب قبل إحدى عشر عاماً لصناعة جيل من القُراء ثم إقامة دورات في الكتابة التخصصية لصناعة أقلام محترفة في مجالها.
فصناعة جيل قارىء هي خطوة صعبة بحد ذاتها وتحتاج لجهود كبيرة فالعالم العربي للأسف عالم لا يقرأ وهذا ماخلق فجوة فكرية وخواء شكَّل خطراً على جيلنا بتبعات لا يمكن التغافل عنها فكانت إحدى أهدافها صناعة جيل قارىء ومُثقف وقد خصص الموقع شهرياً مواد تُنشر تحت عنوان قراءة في كتاب وهي ملخص لكتاب تختاره الجمعية ليكون خدمة تُقدم للقارىء الذي يتكاسل من قراءة كتاب كامل ..
كذلك من نشاطاتها إقامة مسابقات فكرية تخص الكتاب في خطوة لتشجيع القراءة وترسيخ جذورها في أُمة كانت رسالة نبيها: إقرأ !
وأما الكاتبة مروة حسن الجبوري تكلمت عن أهمية التجربة الشخصية للكاتب في عملية تطوره قالت: جعل هدف نصب أعيننا وتذكره دائماً هو ما يمنحُ أقلامنا مداداً لا ينفد في أوقات الضعف والإستسلام فالهدف هو من يشدُ العزيمة ويشحذ همة الاستمرارية ويشعلُ جذوة البقاء فكل البدايات جميلة وسهلة ولكن الصعوبة في الاستمرارية والإستدامة.
وفي الختام كان لبعض كاتباتنا ممن حضرنَّ الأمسية مشاركة حيث قالت الكاتبة أشواق الدعمي: إن اختيار هذا العنوان (قوة الكلمة عند السيدة الزهراء) فيه من الذكاء والحكمة الكثير لأن الكلمة نوعان: كلمة الحق وكلمة الباطل، والحق يسكنُ عند أهله وهم محمد وآله الأطهار فالانتصار وإن تأخر هو للحق والاندثار لكلمة الباطل وأتباعها ..
فكلمة الزهراء كانت البذرة الأولى في مجتمع ذكوري تحكمه عادات الجاهلية ..
وأما الكاتبة نرجس الموسوي من محافظة النجف فقد أشارت إلى أنَّ الكاتب هو عبارة عن سلسلة وهذه السلسلة عبارة عن عدة حلقات، حلقة من هذه الحلقات هي إتقانه اللغة العربية باعتباره متخصص بهذا المجال وكلما كان الجهد المبذول عالياً كلما كان المداد مبهراً ..
والجدير بالذكر أن موقع بشرى حياة تحت اشراف جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية يعد منصة اعلامية لايصال كلمة الحق بطريقة رزينة وعصرية وواحة لاستقطاب النساء ذوات المداد المبدع وصاحبات الكلمة الحرة.
اضافةتعليق
التعليقات