يتعافى المرء بنفسه، أو لربما بفنجان قهوة أو بحضن صديق، في الحقيقة وبعيدا عن كل ترّهات السوشيال ميديا ليست هنالك أي إحصائية فعلية تشير إلى عدد المتعافين بفنجان قهوة، لربما يتغير مزاجهم قليلا بعد احتساءها وترتفع نسبة التركيز عندهم بفضل الكافيين الذي يحويها ولكن فعليا ليس هنالك من استطاع أن يتجاوز وفاة شخص عزيز عليه أو يتأقلم مع صدمة حياته من خلال فنجان قهوة عربية ولا حتى فرنسية (لاتيه)!
في الحقيقة نعم هنالك عشرات العوامل التي من الممكن أن تكون سببا في تعافي المرء، ما عدا فنجان القهوة بالتأكيد!
فعندما نذكر كلمة تعافي أي أن هنالك مشكلة صحية أو نفسية يمر بها الانسان ولهذا السبب يحتاج إلى التعافي منها بعد عملية تشخيص المشكلة وتحديد الخطوات العملية لتجاوزها، ولربما يأخذ ذلك منحا طبيا أو علاجيا أو يكتفي الانسان ببعض الارشادات التي قد تعيد له صحته الجسدية أو النفسية بسهولة.
وإذا أردنا أن نتحدث عن الجانب النفسي فقد يحتاج المرء التعافي بعد حالة فقد شخص عزيز لم يتقبل فكرة موته، أو بعد المرور بصدمة نفسية كبيرة بسبب خيانة شريك أو صديق أو فشل مشروع أو امتحان مصيري، أو لربما بسبب ظروف سيئة قد مر بها في طفولته سببت له عقدا نفسية وانعكس تأثيرها سلبا على حاضره ومستقبله، أو نوبة اكتئاب حادة عاشها لأسباب معينة... الخ.
كل هذه الحالات تختلف بعضها عن البعض بالمستوى والطريقة التي يحاول الانسان التكيف معها، لهذا السبب أفضل حل هو مراجعة مختص في مجال الطب النفسي ليشخص الحالة ويرشدها إلى العلاج الصحيح، والعلاج هنا ليس من المفترض أن يكون دواء يأخذ بالفم أو الوريد من الممكن أن يكون مجرد جلسات علاجية تنتهي بحديث ودي طويل ومفيد بين المراجع والمختص!.
إلاّ إنني بحكم بحثي ومطالعتي في هذا الموضوع وصلت إلى نتيجة وتأكدت بأن أفضل حل ليخرج الانسان نفسه من دائرة الكآبة المغلقة هو الغوص في أشياء يحبها كالهوايات أو الأعمال الخيرية والتطوعية.
فمن الناحية العلمية عندما يمارس الانسان عملا يحبه فهو يشعر بالسعادة، وهذه أفضل طريقة للتخلص من مستنقع الأفكار السلبية وسحاب الاكتئاب التي تخيم على حياة الانسان بين الفينة والأخرى، فالشاعر يشعر بالسعادة عندما يألف قصيدة، والرسام يشعر بالسعادة عندما يرسم لوحة فنية وكذلك بالنسبة لباقي الهوايات، باختصار الانسان يحب أن يفعل ما يحب.
إذن لماذا الكثير منا يتغاضى عما يحب ويُدخل الرتابة في حياته بإراداته؟ في حين بإمكانه أن يخصص يوما في الأسبوع ويأخذ استراحة مطلقة من زحام الحياة وينعزل في عالمه الخاص بعيدا عن ضغط العمل وكلام المدير السلبي ومسؤوليات البيت... الخ.
من المهم جدا أن أنوه بأن الفئة التي تعاني من الفراغ هي الفئة الأكثر عرضة للكآبة مقارنة بالفئة المشغولة بالعمل والمكتظة المسؤوليات.
إذ إن الفراغ هو الصديق المقرب للكآبة والوسواس، وهو الحاضن الأساسي للأفكار السلبية، لأن الشيطان يستولي على الانسان الفارغ ويمرر شريط الأفكار السلبية عليه، فيسهل على الشخص الغرق في مستقنع المشكلة ويساهم الشيطان في تعظيمها ويقود الانسان نحو اليأس وما إن يدخل الانسان دائرة اليأس حتى نستطيع أن نقول بأن الشيطان قد ربح الجولة وأن حياة صديقنا قد انتهت... لأن المرحلة التي تلي اليأس غالبا ما يعقبها الانتحار!.
لهذا السبب ينبهنا الامام جعفر الصادق (عليه السلام) من ذلك ويقول "لا تيأس فإن اليأس كفر".
يحذرنا الامام من اليأس بهذه الطريقة لكي نستشعر الخطر ونتعافى مما نمر به مهما كان صعبا ومرّا، فالحياة لن تتوقف مهما ساءت الظروف وتغيرت الأقدار، ومن المستحيل أن يبقى الحال كما هو، فالإيمان المطلق بالله تعالى والرضا بتقديراته عاملان سحريان لتسريع عجلة تطور الانسان، فحتى ممارسة الهوايات والانشغال بالأعمال النافعة والتطوعية ما هي إلاّ وسيلة وسعي متواصل للتقرب إلى الله بنية التغيير نحو الأحسن، وفرع من الفروع التي تصب في المنفعة الاجتماعية العامة التي ترضي الله وتعود بالخير على الانسان والمجتمع، لأن الإنسان الذي يؤمن بالله ايمانا حقيقيا يعرف جيدا بأنه مهما عمل وجاهد لن يتعافى ولن يخرج من الدائرة المغلقة إلاّ بلطف الله الواصل..
اضافةتعليق
التعليقات