أن تعطى الأولوية للإعمار والتنمية والاستثمار في البنية التحتية. وهو القانون الذي سنّه الله، بأن أعطى الأولوية المطلقة للإعمار والتنمية والإنتاج، وليس للضرائب. هذا القانون نصت عليه وصية الإمام لمالك الأشتر عندما ولاه مصر: "وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج ".
وعلل ذلك بتعليل يكشف عن النظرة الاستراتيجية الثاقبة والرؤية الاقتصادية الشاملة له : "لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلاً".
من هنا تخطئ الحكومات عند ما تركز على الضرائب مرتين، مرة بتحطيمها قدرة المزارعين وصغار المستثمرين على الإنتاج، فيزيد ذلك من نسبة الفقراء أولاً وتعود النتيجة للحكومة سلباً، إذ سوف تتناقص نسبة الضرائب التي ستحصل عليها بشكل مؤكد، ومرة لأن التركيز على الضرائب يهلك العباد. هذه العبارة البليغة منه يمكن أن نجد مصاديقها في الظواهر والحالات التالية:
الاضطرابات الاجتماعية التي قد تتمخض عن ثورات تتصف بالدموية والفوضوية، تحرق الأخضر واليابس وتزيد الوضع الاقتصادي سوءاً على سوئه.
ظهور الأمراض الناجمة من الضغوط النفسية التي يواجهها المزارعون وصغار المستثمرين، نظراً لإصرار الدولة على الضرائب. وكذلك الأمراض التي تنجم عن عدم قدرتهم عندئذ على توفير مقومات العيش باطمئنان، ثم إن الأمراض تعني مزيداً من الفقر ومزيداً من الحرمان.
تراجع قدرة الفقراء ومحدودي الدخل أمام فرص التعليم والتعلم، وعلى توفير مستلزمات الحياة الكريمة، وغير ذلك، مما ينعكس بدوره سلباً على الاقتصاد العام للبلاد.
وقد سبق الإمام علي بأكثر من ألف وثلاثمائة وخمسين عاماً، أبرز اقتصاديي التنمية الذين ذهبوا إلى أن الوصول إلى معدل استثماري يصل إلى %٢٥ أو ۳۰٪ من الناتج المحلي الإجمالي، لعدة سنوات متصلة، يقضي على الركود والتخلف ويسبب انطلاق الاقتصاد، وهذا هو ما يراه البنك الدولي أيضاً من أن تدفق الاستثمارات والأموال يحل المشكلة.
ومنهج الإمام علي إضافة إلى أسبقيته، فإنه أكثر تطوراً بكثير، إذ لا يحدد الإمام نسبة %٢٥ أو %۳۰ بل يفتح الباب على مصراعيه للاستثمار في البنية التحتية لتوفير ليس الحاجات الأساسية فحسب، بل حتى الكمالية أيضاً.
ترشيد الإنفاق
إن (ترشيد الإنفاق) الذي نجده واضحاً جلياً في حكومة أمير المؤمني ، يعد من أهم أسس سلامة الاقتصاد وطرق القضاء على الفقر. والأنظمة السياسية بتوسيع مشاريعها العسكرية أو الاقتصادية ذات التأثير السلبي والمدمر على اقتصاد الدولة، من قبيل صفقات التسليح والبرامج المخابراتية الواسعة الأبعاد، أو مشاريع الاستثمار غير الناجحة التي تعطى لشركات أجنبية، وذلك كله في مقابل تقليص الإنفاق على الشؤون الحيوية.
ومما يؤكد ذلك كله رفض ومعارضة الطبقة العليا من موظفي الدولة لأي محاولة للترشيد، كونه يكلفهم التنازل عن الكثير من امتيازاتهم ومصالحهم التي اعتادوا عليها، وهذا ما نلاحظه في الكثير من البلاد الإسلامية، لذا إن كان ثمة إصرار لتطبيق الترشيد في الإنفاق الحكومي، فإن هذه الطبقة وكبار المسؤولين يدفعون بتكاليف العملية لتقع على كاهل عامة الناس.
مقتبس من كتاب استراتيجيات إنتاج الثروة ومكافحة الفقر في منهج -الإمام علي عليه السلام ل_آية الله السيد مرتضى الحسيني الشيرازي (حفظه الله)
اضافةتعليق
التعليقات