لاتقر العين إلا بذي الطلب، من أهل الفضل والمعرفة، لأن النفس مرادها أطواد نور من سماحة علمهم ومآثر قلمهم، لتبني قبة الوصل بهم والتواصل معهم حتى عند غيابهم .
كان يوما من أيام الجهاد، تفطر فيه الكلم وانقسم إلى واجهتين، الأول بصيرة، والثاني موقع وموقف.
لذا يتحتم على المجهود أن يعرف قيمة البيت الذي يسكن ومعنى الحبر الذي يكتب لأجله، ربما يكلفه الكثير ومعية التتبع اللازم فرضه ورصده على فرض الوضع والمعاش .
في ذاكرة الحزن وعلو مكانة الدعوة لها، هناك أفذاذ كانت لهم الحظوة في الاستثناء ويتوجب علينا قراءة مسيرتهم، لمعرفة غاياتهم النبيلة واكتساب مهارة المنهج الذي اتبعوه، خطوة بخطوة، نتعلم منهم، ماهية القلم وعمق نواياه واكتشاف أثر النبع الذي وصف في غزارة علمهم .
في حقيقة هذا العالم ، ترك العلم لنا بابه مفتوحا لمعرفة شخوص أهله ، وأفراد دعاته ، وعرفنا ذلك أهل داره من خلال همتهم وقوتهم وثبات رأيهم .
السيد محمد الشيرازي قدس سره.. ذكر في الذاكرين
ورجل من رجالات العلم والعقيدة، أعجوبة الهمة والنشاط في خدمة المبدأ ، ورائد السلام على مدى حياته المتقدة بالعطاء. تمر علينا ذاكرة الحضور لشخصه الداعي إلى الحق والعدل والسلام ، هذه الأيام التي نداولها بين الناس لتكن عبرة وعبرة لمن خطى نهجه والتزم طريقه ، وتتبع سيرته المؤثرة علما وعملا .
من دواعي سرور القلم أن يخط لنا عموم الفوائد التي تركها لنا أثر استحسان وقيمة شرف وعلو مكانة ، نتبعها ونلتزم البصيرة فيها . (إن هذه امتكم أمة واحدة وانا ربكم فاعبدون).
في علم سماحته ، السبل مختلفة ، والكتب مغنم رائع لحفظ معاهد الفكرة ، إلا أن الغاية واحدة وهي عبادة الله سبحانه .. وإن تعدد الفكر إلا أن المنطق واحد ، وهو ولاية أهل البيت واتباع نهجهم القيم ، فهم الأمة الواحدة ويجب اتباعها ..
ولعل أبرز مواكب حضارته ، كانت متأزمة باختلاف وجهات النظر ممن عاشوا ساحة وجوده المباركة ، ولكن سلاح سماحته كان معبأ بالأدلة ومشاورته كانت هي الأقوى على ساحة المواجهة ..السيد الراحل قدس سره ، قويا من حيث أس الفكرة وروعة منطقه في عموم كتبه التي تجاوزت الألف كتاب.
(قام بتأليف كتاب تحت اسم «موسوعة الوسائل ومستدركاتها » وكان في أربعين مجلداً، إلى جانب إطلاعه على كثير من الكتب التاريخية المحتوية على جوانب ترتبط بالبحث الفقهي، وكذلك مختلف كتب الحديث على كثرتها ومراجعتها دائما) ١.
بدأ بتأليف (موسوعة الفقه) وهو في الخامسة والعشرين، ووصل تصنيفها إلى حوالي 165 مجلد.
هنا الامتياز يثبت جدارته ، بأن يتفوق الذهن على لسان الحال ويبهره بعدة أدوار العلم والمعرفة، ويمتاز عليه ، علوم سكنت وجده ، من عينات أم الفقه وأبوابها المختلفة إلى الاجتماع والسياسة والدراية وغيرها يحكي الكثير .. أمرا لم يفعله غيره واقعا استثناء تجرد ، لايقبل إلا بالقمة والتألق في كل جانب من جوانب المعرفة .
وقد اعتبر سماحته أن الكتابة لابد وأن تندرج وفق مخاطبة الطبقات الاجتماعية كلا بلسانها ومستواها الواقع ، وقد ألف للفقهاء وكذلك للطلبة والفئة الجامعية، وكذلك لسان حال المستمع والقارئ الباحث عن المعرفة ، فتعددت ابواب كتبه وحديثها على مختلف العين والعقل الباصر من منطلق قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله حين قال :
(نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم).
ألف كتباً تميز بها عن غيره لأول مرة ألا وهي (فقه الحقوق)، (فقه القانون)، (فقه السياسة) (فقه الاقتصاد)، (فقه الاجتماع)، (فقه الدولة الإسلامية) وكذلك تأليف كتاب (القواعد الفقهية) وتطرق إلى بعض القواعد التي تميزت بكثرة ذكر الآراء الفقهية المختلفة وذكر الأدلة التي استندت إليها الأقوال، واستنباط الأحكام الشرعية وتجليه في استنباط بعض الأحكام المستحدثة التي تميز بها عن غيره في ساحة الفكر والاجتهاد .
تميز الإمام الشيرازي بعمقه المعطاء، ذو نظرة تجريبية واعية، والنظرة الواقعية إلى الأحداث، والتي اعتمدت كليا على الرواية والحديث وآيات القرآن الكريم، فكان روحا لفاقد البصيرة، ومطهرا لسطور الثقافة المترهلة، حتى عالجت كلمته شتى القضايا الحيوية.
(فإنه يؤمن بضرورة تحكيم الأخوة الإسلامية، وإعادة الأمة الإسلامية الواحدة، وتوفير الحريات الإسلامية، ويدعو إلى الحوار الحر والمؤتمرات والتعددية السياسية، وشورى المراجع واللاعنف)2.
ولا زالت الكثير من المحطات والمحافل تحظى بثمار خدماته والكثير من الأنشطة تحظى بدعمه وشفاء كتبه وأفكاره في بناء النفس والذات، وفي سبيل ذلك تعرض لمخاطر عدة، منها محاولة اغتيال لمرات عديدة .
(كما تعرضت أفكاره وكتبه ومؤسساته إلى الحرق والمصادرة والمنع وتلامذته إلى السجن والتشريد والمضايقة إلا أنه لم يتوان عن عزمه ولم يتراجع عن أهدافه ومبادئه الحرة الداعية إلى إنقاذ المسلمين والنهضة بالأمة الإسلامية نحو غد أفضل يسوده العدل والحرية والسلام وكان مبدأه في الحياة السلم واللاعنف) ٣.
فحريا بنا، أن نستعين بإتقاده ، وننهل من قنديل نور علمه، ورباطة جأشه ، ونستقر عند قبة ترابه وبمستوى القدوة فيه أن نشارك مأساته، ونقرأ عهدنا ونستشعر فقدنا لحضوره وتقصيرنا في خدمته.. فسلام عليك وهنيئا لك مجانبة الأبرار وسلالة الأطهار علي وأخيه المختار .
اضافةتعليق
التعليقات