مم نخاف؟! لو طُرح علينا هذا السؤال، لو قررنا الابتعاد عن كل الإجابات العشوائية التي نلجأ إليها غالباً، تلك التي لا نعلم إن كُنا نعنيها فعلاً أم إننا نستخدمها فقط للتخلص من عناء التفكير بأشياء أخرى أو ربما لمجاراة أجوبة الآخرين وحسب. ردود الفعل المُعتادة والمملة التي نُصادفُها عادةً هي: الخوف من الحشرات، المرتفعات، الظلام، الظل، أو من الأصوات الصاخبة والغريبة... وما شابه. لكن مهلاً! هذا ليس خوفاً فعلي! لم لا نحاول أن نكون صادقين هذه المرة على الأقل؟..
على من نكذب نحن؟ ولم لا نواجه مخاوفنا الفعلية؟ تلك القابعة في ركنٍ قصيّ من أعماقنا. لم لا نسبر أغوارنا بأنفسنا لنتعرف علينا بشكلٍ أفضل ونتصالح مع ذواتنا بطريقة مسالمة بعيداً عن العنف والتعذيب، هكذا ببساطة، نتعرف علينا بشكل جيد لنحظى برفقة طيبة معنا، فنحنُ نجهلُ تماماً ماذا بمقدورنا أن نُقدم لو تحدينا هذا الخوف، لو قررنا أن نخوض معركةً حاسمةً معه معركةٌ إما أن نفوزَ بها أو نفوز بها، لا خيار أوسط بينهما.
ضُعفاءٌ نحنُ جداً إن أردنا أن نكون كذلك. لو أطلقنا لأنفسنا العنان لتتمادى بهوانِها، لو أبقينا عليها لينة قابلة للتمدد بفعل التقاعس ولم نختبر عليها بقية درجات الحياة الأخرى. أي شيء أسهل علينا من جعل الألم يتفاقم والأمل يتلاشى بحدثٍ سيءٍ واحد. نستجلب لذاكرتنا كل الأحداث والأيام البائسة التي مررنا بها، هكذا بضغطة زرٍ واحد تعود كل تلك الذكريات لتجتاح الروح لتجعل من كمية الاختناقات والدموع المنهمرة أكبر وأشد أيلاماً وندعي دوماً أَن لا ذنب لنا بأيٍ من ذلك، حسناً، قد نكون مُحقين لوهلة، لكننا لسنا كذلك بالنسبة الأكبر، إننا نجهل فعلاً مِاهية أجسادنا، أرواحنا وعقولنا، لا نعرف الكمية الهائلة من التحمل التي نقدِرُ على تقديمها، حين نقرأ "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" فإننا لا نعلم ما هو "وِسعها" فعلياً، الرحمن وحده يعلم وربما إن حاولنا تخيل الأمر فإننا لن نصل بخيالنا لأي جوابٍ مُقاربٍ للحقيقة. أمور كهذه تكونُ غالباً خارج مقدرة العقل البشري، لكن الحقيقة أن سِعة تحمل كل نفس كبيرةٌ جداً، أكبر من رغبتنا بأن تنتهي هذه الحياة أمام أول مشكلةٍ نواجهها، لن تعلم مدى قدرتك على تحمل الجوع إلا إذا اضطررت لذلك، كأن يُمنع عنك الطعام عمداً لأكثر من ثلاثة أيام، لا تزال على قيد الحياة في اليوم الرابع! بينما طرأ على بالك في اليوم الأول أنك هالكٌ لا محالة وسيُقضى عليك في ظرف ساعات!.
هكذا تسير الأمور، فإنك لا تعرف مقدار قُدرتك على الصبر والتحمل في خضم تجربة عيشك في هذا العالم إلا حينما تمُرُ بأوقات عصيبة تجعلك تتفاجأ من نفسك بعد مرورها، كيف إنك تحملتها، وهل حقاً أنكَ فعلت!
لا تستهن بأيٍ من قُدُراتك، لا تستهن بقوة الإنسان الذي أنت عليه، لا تتهاون بثقتك بخالق الروح التي في جوفك، لا تظن به إلا خيراً، فهو حين يعدُ بشيء فلا مَرد لوعده، تحتاج فقط أن تُحسن الظن والثقة، أن تهمس لله في سجدةٍ صادقة بأنك تُحبه و تُصدّق وعده حين قال: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني".
اضافةتعليق
التعليقات