عاشوراء إسلامنا الصغير، مرسومة حدوده بكلام الله الصريح. مُحرم وصفر رسالة إلهية، رسالة على شكل سفينة نوح، كل من كان عليها قد نجا، وكل من استكبرت نفسه، وسولت له غروراً، غرق في بحر الضلالة. وجرفه الطوفان إلى النسيان في قعر العذاب.
إن لأيام عاشوراء ثلاث أحداث على قيد الحياة، لم تمت بعد، ولا أظنها ستُزهق يوماً! أحداث وقعت قبل آلاف السنين، ولكنها لازالت تشاركنا الأوكسجين، لازالت تنبض بالحكمة والعبرة، لازالت تبهرنا كما لو إنها قد حدثت الآن ولأول مرة. إنه لشرف عظيم يُتوج به المرء من قبل الله سبحانه، بتزويده المعرفة الكافية لتقدير هذين الشهرين حق قدرهما.
• الحدث الحي الأول: وجودنا اليوم، كمخلوقات كافة، وليس كمخلوقات بشرية حصرية! وجود مُنقى بأنفاس الأنبياء، اختيار إلهي وقع علينا بالنجاة مع نوح عليه السلام. تخيل عظمة وجودك كإنسان، وأنت مُختار من قبل الله عزوجل، وهل تعتقد هذا الوجود سهو! هل تتقبل فكرة بأن الله جل علاه قد اختارك ليعبث بك، وإنك مجرد مخلوق عابر لا تأثير لك في الأرض؟! إذاً لماذا أتاح لك فرصة البقاء من دون الملايين أو ربما المليارات من البشر! هل انتقالك مع نوح في السفينة من أرض الغضب إلى أرض الرضا، يمر بسلام، دون أن تدفع ثمن التذكرة؟!
الحدث الأول يظهر علينا بصراحته، بأن هنالك مهمة ما تمثل غاية الله، في انتظار كل مِنّا، وما علينا سوى البحث عنها وإيجادها، وتطبيق غايات الله قبل فوات الأوان.
• الحدث الحي الثاني: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92).. (سورة يونس). هذا الحدث يطيل النظر إلينا نحن البشر بكافة أنواعنا، دون أي استثناء. يراقبنا بحكمته الثقيلة التي لا يقوى على حملها سوى القلوب المستمدة قوتها من الله سبحانه، القلوب المستوعبة لما يجري ولأي غرض يجري، وليست الغافلة التي قد طُمِرت تحت أنقاض الجهل!
• الحدث الحي الثالث: نعم إنه هو، الذي يدور في بالك. قطف ريحانة رسول الله من الحديقة النبوية الشريفة، بأيادٍ غير طاهرة، ولم تكن طاهرة من قبل قط. استشهاد الإمام المُعطر بأنفاس النبي محمد (ص)، لم يكن صدفة عابرة، هذا الاستشهاد اختبار لكافة المسلمين في بقاع الأرض، لم تكن معركة بين خصمين فقط.
باستشهاد الحب المحمدي، انكشف للناس المنافقين على مر العصور، باستشهاد كلمة الحق الإسلامية، ظهرت معادلة متينة رصينة من الدم النبوي، بأن المنتصر في الحرب ليس الذي على قيد الحياة، فكم من الانتصارات قد ماتت وشاخت وبقيّ الانتصار الحسيني شاباً، يافعاً، حليماً، مُبتسماً في وجه العالم. بقيّ مثل الشراع في عرض البحر يرفرف بحماس شديد، يدلك على طريق يقيك شر جهنم.
اضافةتعليق
التعليقات