عندما رأيتك لأول مرة شعرت بأنني سأكتب عنك لاحقاً فمنذ تلك اللحظة كنت واعية كاملة الادراك أن هناك ملامح لا يمكن أن تكون عابرة أبداً، تتركك في أوج المحطات، حيرة قدم تخطو وقدم تهرب من كل الجهات ولست أدري أنني سأجدك في كل التفاتة، ثابتة من كل ارتباك ولكنه كان مربكا في كل هذا الثبات.
لكل منا أوقات يجد نفسه فيها أنه يكبر عمره وجهاً وروحاً وبمجرد أن يطرق باب الروح ذاك الشخص المرتقب كأننا نعود للوراء سنين عدة بجلوس مبعثر وابتسامة واضحة تسر كل من نظر، وفي بعض اللحظات نصمت ونحن ننصت لصوتهم لعلنا ندخر أكبر قدر من الراحة لنقتات بها على ظمأ مرتقب نشعر به بعد الضحكة الأولى.
فهكذا جرت العادة ما من سعادة إلا وتبعتها أوقات حزن مهندمة وما بين التنظير والواقع شئنا أم أبينا هناك شخص في حياتنا حاله يؤثر في كل أحوالنا وقد نتدهور لشيء لا نعرفه فنجدنا بلا ابتسامة ولا مزاج يتسع المزاح، ولا صدر رحب نتحول إلى شيء ممل ليس لسبب إنما لأننا نرى فيه جمال الواقع وليس هو عيبا ولا دليلا على خلل في الشخصية إنما هو دليل على روح نقية ولاهي تعلق أيضا إنما لو ننظر ملياً إلى أوقاتنا نجدنا بعض الأحيان بينما الكل مجتمع تأخذنا الروح لمنحى آخر بيننا وبين أنفسنا حتى توقظنا حركة مفاجئة من أحدهم بجملة (أين وصلت، هل غرقت السفن)، فنبتسم بلا ادراك وكيف نخبرهم أننا وفي جمال حضورهم تمنينا لو أن فلان بالذات هنا ببساطة هو كتجربة أن يسألك الناس عن أحوالك فتجيبهم على مضض لكن لو سألك ذلك الشخص ستشعر أن سؤاله فقط كفيل بحل جميع الأزمات وبالفعل مجرد أن يسألك ستجد أنك حرفيا بدأت بالتفكير في الاتجاه الصحيح لتعديل مسارك وكأن الكلمة منه تختلف أو هي طمأنينة تشكلت على هيئة حروف.
على الرغم من أن الحقيقة تتعدى هذا المنطق فما هو سوى شخص عادي وربما ليس بذاك القدر من التأثير لكن بالنسبة لكم هو عافية كأن تصل لكم هدايا باهضة الثمن لكن شيء بسيط كزهرة الكترونية وصلت إليكم بطرد لا يتعدى السطر من ذلك الشخص تجدكم تحتفظون بها وتنظرون إليها بين الفينة والأخرى وكأنها الأثمن وكل نظرة تعيد فيكم الحياة ولا يتوقف الأمر على ارتباط القلوب إنما تتعدد هذه العلاقات بين الاباء مثلا تجد هناك طفل مميز يختلف عن البقية ليس زيادة حب فيه ولا نقص في حب البقية إنما حرارته في الليل تحرق جسد الأهل وتشعل لهيبا في وجدانهم. وصوته الحزين يدق نغما مؤلما يلازمهم ينتظرون ابتسامته والسلام منه يرونه مختلفا وحينما ننظر لجمع الأصدقاء تجد شخصا واحدا فقط بينهم لايأبه لضحكاتك العالية وإنما يركز النظر إلى عينيك فهو يعلم من نبرتك أنها مجرد ستار فيذوي ويذبل كزهرة سوسن في قيظ صحراء وينتظر ان تشفى مما لاتستطيع قوله ليلتقط فرحك كقطرة مطر كانت تشتاقها قفرة هكذا عندما تألف الروح روحا.
تختلف وجهات النظر وتغلب الطبيعة البشرية في الخلاف ويميل كل منا للكبرياء والغرور وكأن ما كان لنا من أوقات سعيدة ماضية فنترك كل ابتسامة خلفنا ونسرع في قطع الوعود المؤذية وكلانا يتحدى الآخر إيانا سيكون أكثر غرورا وأقسى تصرفا وأشد تحملا للقطيعة، فالطيبة والتسامح المستمرة من شيم الضعفاء هكذا وردت أقاويل الآباء فالعرافة تعلم والعالم يكذب والكتب مجرد أوراق بلا نفع وهذا الزار يحدد من المنتصر وكأنه ما من شخص منا اغتالته الظروف وسارت عنه البهجة نبقى متمسكين بعطش عنيد حتى ندرك مؤخرا أي مجزرة اقترفنا بحق أرواحنا.
انتبه أن تمضي مراحل حياتك وأنت ساخط فيعتاد الناس على نكران الجميل منك فكل مرحلة عمرية هبة من الله تعلمنا منها الكثير فكل الأصدقاء ابهجونا وإن غابوا وكل الأقارب أحببناهم وإن اختلفنا فلا أحد سيء إلى الأبد ولا من لطيف دائما، قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم) إن أغلب الناس في تقييمهم للأشخاص، يعتمدون على القول، ولكن علياً عليه السلام يقول: (أيها الناس من عرف من أخيه وثيقة في دين، وسداد طريق؛ فلا يسمعن فيه أقاويل الرجال.. أما إنه قد يرمي الرامي، وتخطئ السهام، ويحيل الكلام، وباطل ذلك يبور، والله سميع وشهيد، أما إنه ليس بين الباطل والحق إلا أربع أصابع، وجمع أصابعه ووضعها بين أذنه وعينه، ثم قال: الباطل أن تقول: سمعت، والحق أن تقول: رأيت) ليس معنى ذلك أن الناس كلهم فسقة فالسيف قد ينبو، والجواد قد يكبو.
وعن الامام جعفر الصادق عليه السلام: (إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره، فالتمس له عذرًا واحدًا إلى سبعين عذرًا فإن أصبته، وإلا قل: لعل له عذرًا لا أعرفه) ليس معنى ذلك أن يكون كالنعامة، يدس رأسه في الرمال، ويقول: ليس من صياد!
وكذا لا يظن السوء والشر ولا يحملن ما له وجه صحيح من أعمالهم وأقوالهم على وجه فاسد، بل يجب أن يحمل كل ما يشاهده من أفعالهم وحركاتهم على أحسن الوجوه وأصحها، ما لم يجزم بفساده، ويكذب وهمه وسائر حواسه، فيما يذهب إليه من المحامل والاحتمالات القبيحة، ويكلف نفسه على ذلك، حتى يصير ذلك ملكة له، فترتفع عنه ملكة سوء الظن بالكلية.
اضافةتعليق
التعليقات