قبل اكثر من نصف قرن كان في قلب المدينة ازقة ضيقة تحيى بروح المحبة والتآخي تملأها ضحكات الاطفال وهتافات التحية التي يتبادلها الجيران ورجل مسن يجلس على كرسيه الخشبي بمحاذاة البيوت المتعانقة التي يفصلها جدار هش يراقب المارة ويرحب بضيف جاره وكأنه ضيفه!
مضت السنوات لتنطفئ جذوة تلك التحية اللاهبة لتصل حد الفتور وتوصد الابواب وتسكن الضحكات المتعالية ولم يعد للشيخ مكان ولا حتى كرسي!
فبعد التقدم الحضاري والتكنولوجي الذي غزا المجتمع مع مغريات الحياة المتزايدة وعدم توفر الثقة والتي بدورها اثرت سلبا على العلاقات الاجتماعية انحصرت علاقة الجار بجاره لتصل الى شبه الانعدام.
بهذا الجانب كان لـ (بشرى حياة) هذه الجولة الاستطلاعية:
أذية الجيران
اعربت السيدة ام مؤمل عن استيائها ازاء ما الت اليه علاقة الجيران في الوقت الراهن فقد تعرضت للأذية من قبل جيرانها لرميهم للنفايات بمحاذاة بيتها مما سبب لها بنقل الحشرات والروائح الكريهة، فضلا عن المنظر غير اللائق كما ذهبت محاولاتها سدى في ردعهم عن فعل ذلك غير مكترثين لها.
علاقة متينة
بينما تستذكر الحاجة ام ياس ايام طفولتها في كنف اسرتها وهي تقطن في احد ازقة مركز المدينة حيث كانت علاقتها بجاراتها متينة جدا اذ تشاركها بكل شيء، الحديث والثياب والسفر والافراح والاحزان، غير ان هذه العلاقات المتينة امست تضمحل بمرور الزمن وباتت تنحصر بالتدريج.
نمامة الحي
فيما قالت السيدة ام اركان : في الماضي كان الجار يسهر على راحة جاره والوقوف بجانبه بكل ما يمر به من مناسبات حزينة كانت أو سعيدة فتراه اقرب من ذويه إذ كان الجار يأتمن ماله وحلاله لدى جاره بل يسلمه مفاتيح داره إذا ما سافر، ولا تهز الجيرة هفوات الأطفال أو منغصات درداء المنطقة (نمامة الحي) كما يسميها البعض.
وتابعت: لقد تهاوت هذه العلاقات الحميمة في قعر النسيان لربما الامر يعود الى التقدم الحضاري واختلاف البيئة الاجتماعية فقد انتقلت الكثير من العوائل من مدن مختلفة بسبب ما مر به العراق من نكبات الحروب لهذا نجد ان عادات المدن الاخرى تختلف عن عادات سكنة المدينة الاصليين.
مضيفةً: بانه على الرغم من ذلك نجحت بعض العائلات في بناء علاقات وثيقة مع جيرانهم إذا توفرت الظروف المناسبة مثل استمرار السكن لفترة كافية لكسب الثقة او وجود عوامل مشتركة مثل الخروج معا في رحلات سفاري لزيارة المراقد المقدسة او السياحة او تجمعهم دراسة الاطفال في مدرسة مشتركة أو غيرها من العوامل.
لو خليت قلبت
وتقص أم رفل موقف جارهم المحاذي لهم قائلة: لقد حصل تماس كهربائي في بيتنا دون ان نعلم به فهرع جارنا إلى نجدتنا وإبلاغنا بالأمر بعدما رأى ألسنة اللهب تتعالى من نافذة المطبخ لندرك الموقف قبل وقوع الكارثة, وهذا يدل على وجود نكهة جيران زمان، فلو خليت قلبت.
أواصر الجيران
لقد أولت السنة النبوية المطهرة اهمية آداب الجوار لتوطيد أواصر المحبة بين الافراد والمجتمعات إلا إن هذه المقولة بدأت بالمواراة في عهدنا الحاضر.
هذا ما استهلت به الباحثة الاجتماعية ثورة مهدي الاموي ثم استرسلت قائلة: لقد اختلفت العلاقة بين الجيران بحسب البيئة وخصوصا في المدينة الا انها ما زالت تحتفظ بنكهتها واصالتها في القرى.
واضافت: لقد دعا الإسلام إلى الألفة والمحبة والتواصل بين الجيران وعدم اذيته وشدد في أكثر من نص على حقوقه، لكن وللأسف تأثرت العلاقات اليوم بالظواهر الاجتماعية الدخيلة وباتت تنحسر لتصل حد إيماءات السلام وهذا بسبب العولمة التي افسدت الأواصر حتى في البيت الواحد، لذى يتوجب اعادة الحياة للعلاقة بين الجيران بحدود المعقول وضرورة اختياره قبل الدار باعتباره اقرب من الأهل والأصدقاء.
ختمت حديثها: ما نحتاجه اليوم هو مزيد من التواضع والألفة والاحترام والتعاون قدر الإمكان لإعادة الثقة بين الجوار لتستقيم حياتنا ونتجنب كل حالات التوتر والعصبية وسوء الفهم الذي طالما ينتهي إلى نتائج مؤلمة ومؤسفة لا يحمد عقباها تقود الى مشاكل جمة بين الجيران تصل احيانا الى مراكز الشرطة او العرف الاجتماعي.
اضافةتعليق
التعليقات