يقول الشاعر أحمد شوقي في إحدى قصائده:
لم يَمُتْ مَنْ له أَثَرْ... وحياة منَ السيرْ
إنما الميتُ منْ مشى... ميتَ الخيرِ والخبَر
على مدار الزمن هنالك العديد من العظماء سطر التاريخ أسماءهم في سجل الخالدين. كابن سينا العالم العربي الذي كان له العديد من الاكتشافات منها؛ ابتداع طريقة استخلاص العطر من الزهور بالتقطير.
وابن الهيثم الذي اكتشف ظاهرة انعكاس الضوء، ونجد على رأس هؤلاء عالم الكيمياء جابر بن حيان الذي اكتشف الكثير من التحليلات الكيميائية والتي إلى الآن يعتمد عليها العلم الحديث في مجالات الطب والصناعة وغيرها.
فقد روي عن رسول الله صل الله عليه وآله أنه قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أوعلم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
هؤلاء العلماء كانوا مصدقا لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (علم ينتفع به)، فغالبًا من يخلد ذكره هو من يترك أثر في الحياة بعد مماته، لكن إذا تتبعت التأريخ ستجد هنالك عظماء سجلوا أسماءهم بأحرف من ذهب بسبب مواقفهم البطولية وتضحايتهم العظيمة في نصرة المبدأ والعقيدة.
وحينما تتبع سيرة هذا العالم جابر بن حيان تجد أن علمه هذا كان نابع من تلك الدروس التي أخذها عن الإمام جعفر بن محمد الصادق صلوات الله عليه، حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله، والذي يعتبر على مطلع عظماء هذا الكون بما جاء به من رسالة عالمية ودستور سماوي اخرج الناس به من ظلمات الجهل إلى نور العلم.
فكان نبراسا يقتدي به الأولون والآخرون بعد رحيله، حتى أنه ترك لهم أئمة حق يرشدوهم إلى طريق النجاة، وكتابًا خالدًا جعلهُ بمثابة دستور ينظم شؤون حياتهم ملائمًا لكل الأزمنة والعصور.
فقد قال (صل الله عليه وآله): إنّي تاركٌ فيكم الثقلين ما إن تَمَسَّكم بهما لن تضلّوا بعدي: كتابَ اللَّه وعترتي أهلَ بيتي، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوضَ.
إلا أن الأمة خالفت وصيته، فعملت بالقضاء عليهم واحدًا تلو الآخر، معلنة العداء لهم على المنابر وفي الخطب.
وكان لواقعة الطف دليلاً واضحاً وصريحًا في بيان مدى عصيان الأمة لحديث رسول الله، فقد مارسوا أبشع جريمة بحق سبطه الإمام الحسين صلوات الله عليه، حتى رفعوا رأسه على سنان الرماح، وسبوا أطفاله ونسائه الذين هم عترة محمد صلى الله عليه وآله إلى الشام وحاكمها الطاغية يزيد بن معاوية.
منهم (رقية) التي كانت تبلغ من العمر ثلاث سنين حيث ألم بها الشوق والحنين لوالدها الإمام الحسين صلوات الله عليه، حتى قضت أنفاسها الأخيرة على رأسه الملطخ بالدماء في خرابة الشام، وكان لهذه الحادثة أثر عظيم في هز عروش الظالمين وانقلاب الناس ضدهم.
والآن من يذهب الى الشام يجد في مكان تلك الخرابة قبة تناطح السحاب ومزارًا يفد إليها السياح من مختلف بلدان العالم، يذكر العالم (الخلخالي) في كتابه (السيدة رقية بنت الإمام الحسين) أبيات كُتبت على باب الحرم الشريف نظمها السيد محسن الأمين العاملي:
لهُ ذو الرتبة العليا عليّ وزير الصدر في إيران جدد
وقد أرختها تزهو بناءً بقبر رقية من آل احمد
الناس تأتي إلى قبر هذه العظيمة يستشفعون الله ويتوسلون إليه بحقها، فتسمع عندها العديد من الكرامات والقصص العجيبة التي حدثت ببركة هذه الطفلة اليتيمة (عزيزة الحسين)، فصار موتها حياة لكثير من الناس الذين قد يئسوا من علاج ما بهم من أمراض وعلل.
العجيب في هذا الأمر كيف لطفلة بعمرها القصير، استطاعت كل هذه المدة أن يبقى لها ذكر في سجل التاريخ، فترى محبيها يحيون أيام ولادتها ووفاتها في كل عام.
ولعلك تسأل ما سر عظمة هذه الطفلة، وكيف حصل لها الخلود منذ ما يقارب ١٤٠٠ سنة؟ وكيف يكون لإسمها ذكر بين عظماء التأريخ الكبار؟!
أقول لعل هذه الكرامة والمنزلة للسيدة رقية صلوات الله عليها، سببها هو ذلك التعلق الشديد وحبها ونصرتها لإمام زمانها قبل أن يكون والدها، فكما أنه خُلد كان ولا بد أن يُخلد معه من نصره من أهل بيته ومن أصحابه المخلصين.
وكذلك موقفها الرسالي بوجه الحاكم الجائر، لتعلن للعالم ظلمه وإضطهاده بمن هم تحت سلطته. فكان لابد من التضحية بالنفس لأجل كشف زيف من يتسلط على رقاب المسلمين ليظلمهم.
اضافةتعليق
التعليقات