في اليوم الدولي للتعليم علينا أولاً أن نعرف ما التعليم؟ يعرف بأنه تلك العملية المُنظَّمة التي تهدف إلى حصول الشخص المتعلم على الأُسُس العامة التي تبني المعرفة بشيء ما، ويتم ذلك بطُرُق مُنظَّمة وبأهداف معينة ومُحدَّدة ومعروفة مسبقًا.
كما يمكن القول بأنَّ عملية التعليم: تُمثِّل نقل معلومات معينة من المعلم إلى المتعلم.
نحن اليوم وأمام هذا الوضع المتأزم والذي يفقد في الفرد العراقي أدنى مقومات العيش في بلد يعوم على ثروات طائلة كفيلة بأن تجعل أولاده يعيشون بعزٍ وكرامة؛ لكنا على العكس نجد أولادنا محرومين من أبسط حقوقهم ألا وهو التعليم الذي من المفترض أن تكون الدولة قد أقرته للمواطن، يستند التعليم على عدة ركائز وهي (التلميذ أو الطالب، الأسرة، المدرسة، المناهج والمقررات المدرسية، الفضاء المدرسي ومدى جاذبيته،
الإدارة: الإدارة المدرسية والوزارة المعنية، الجودة الشاملة، الشارع أو المجتمع).
إذا أردنا أن نناقش كلّ ركيزة على حدة سنجدها فقيرة ولا تقارن بالتطور والقفزة التعليمية في الدول الأخرى،
في اليوم العالمي للتعليم الذي أقره المجتمع الدولي عند تبنيه خطة التنمية المستدامة لعام 2030 في أيلول/سبتمبر 2015 بأن التعليم ضروري لنجاح جميع أهداف الخطة السبعة عشر، ويهدف الهدف الرابع، على وجه الخصوص، إلى ''ضمان توفير تعليم جيد وشامل وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع'' بحلول عام 2030، سنضع بين أيدكم عينة من الملف التعلمي في العراق للعام المنصرم 2019.
التعليم في العراق
بدأ التعليم الرسمي في العراق عام 1921، وفي عام 1960 كانت توزع الكتب مجانا للمرحلة الابتدائية وبحسم 60% من تكلفة الكتب للفقراء في المرحلة الثانوية وبسعر التكلفة لغير الفقراء، وفي أوائل السبعينيات من القرن الماضي أصبح التعليم مجاناً لجميع المراحل والزامياً للمرحلة الابتدائية، حيث عرفت الفترة بين 1970 و1984 بالسنوات الذهبية، وأصبح التعليم في العراق واحدا من أفضل النظم في المنطقة حيث وصل معدل الالتحاق الاجمالي به إلى 100%، وانخفضت الأمية إلى أقل من 10% بين الفئة العمرية من 15 إلى 45 عاما، كما انخفض التسرب المدرسي إلى أدنى معدل بمنطقة الشرق الأوسط.
وبلغ معدل الانفاق من الناتج القومي الاجمالي على التعليم 6% و20% من مجموع ميزانية الحكومة العراقية، كما بلغ متوسط الانفاق الحكومي للطالب الواحد 620 دولارا، ومع استمرار الحرب العراقية الايرانية في ثمانينيات القرن المنصرم تحولت أغلب الموارد العامة للانفاق العسكري وواجهت الفترة بين 1984 و1989 عجزاً بميزانية التعليم، وأصيب التعليم بانتكاسة أخرى تسببت بها حرب الخليج عقب دخول القوات العراقية للكويت.
كما شهدت الفترة بين 1990 و2003 الانتكاسة الكبرى في التعليم، حيث انخفضت حصة التعليم من الناتج القومي الاجمالي إلى 3.3% ومن الميزانية إلى 8%، وتدنى معدل النفاق على الطالب الواحد إلى 47 دولارا، وبلغت نسبلة المتخلفين عن الدراسة المرحلة الابتدائية 10%، كما ارتفع التسرب الدراسي فيما بعد إلى 20%. وبعد دخول القوات الاميركية عام 2003، تعرضت الكفاءات العلمية لحملات اغتيالات شردت الكثير من الاكادميين والطلبة داخل البلاد، وانتشرت الجامعات والمدارس الأهلية واتسمت بعضها بالتسيب وضعف الأداء، وبحلول عام 2014 وسيطرة "داعش" على مساحات من العراق نزح مئات الطلبة داخل العراق وإلى دول أخرى وهدمت مئات المدارس وخرجت مثيلاتها من الخدمة لأسباب فنية، اضافة إلى وجود العديد من المدارس الطينية في عموم البلاد و3000 مدرسة بحاجة إلى تأهيل، في وقت يحتاج العراق إلى تشييد 4000 مدرسة جديدة كحد أدنى لسد العجز، ووصلت الأمية إلى 60% خلال العقد الأخير بقرابة 6 ملايين أمّي من كلا الجنسين، وبسبب هذا التدني اعتبرت اليونسكو مؤخرا العراق خارج التقييم العلمي لجودة التعليم.
تسرب وفشل
أفادت إحصاءات رسمية، أن مدارس العراق تشهد تسربا جماعيا للتلاميذ في المرحلة الابتدائية بمعدل 360 تلميذا وتلميذة في اليوم الواحد، فيما أشارت إلى أن عدد المتسربين في العام 2014 كان أكثر من 100 ألف تلميذ وتلميذة وقفز إلى 131 ألفا و649 تلميذ وتلميذة في نهاية 2018، واعتبر ناشطون تربويون هذه الأرقام هي بمثابة جرس انذار للتعليم في البلاد.
وتشير الإحصائيات إلى أن مؤشرات التعليم للجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط والذي يوضح، "عدد تاركي المدارس الابتدائية حيث تجاوز عددهم 131 ألف تلميذ وتلميذة خلال عام في جميع محافظات العراق، عدا إقليم كردستان، وشكلت الإناث 47,5 في المئة من نسبة المتسربين، على رغم تمسك البنات المعهود بمقاعد الدراسة، خلافا للذكور الراغبين في الإفلات من الالتزام بالقوانين المدرسية".
اعتبر ناشطون الاحصائية الاخيرة تمثل جرس إنذار بشأن واقع التعليم في البلاد، بخاصة بعد اكتشاف ارتفاع العدد عن العام الذي سبقه، إذ كان 126 ألف تارك وتاركة بحسب الجهاز نفسه، وهو ما دفع الناشطون والمعنيون الى إطلاق حملة لإنقاذ التربية، حيث شكل إصلاح المنظومة التربوية وزيادة تخصيصاتها المالية والالتفات إلى الأبنية المدرسية المتهالكة نواة مطالبها، مشيرا الى "مسارعة رئاسة البرلمان إلى التفاعل مع الحملة عبر مناقلة تريليون دينار (نحو 850 مليون دولار) إلى ميزانية وزارة التربية، والتعهد ببناء أكثر من ألف مدرسة بحسب بيان الحملة".
واشار تربويون المشكلة لن تحل من خلال تلك الحملة لأن الخيبة الكبيرة التي تخيم على التعليم حتى لدى المتواصلين في الدراسة بسبب قتامة مستقبل الخريجين في ظل غياب فرص لتعيينهم أو تشغيلهم واستيعابهم ضمن المرافق الحكومية وحتى الخاصة، وهو ما أدى إلى استسهال التسرب وترك المقاعد الدراسية وتشجيعه في بعض الأحيان باعتبار أن التارك يبحث عن قوت يومه بطريقة أخرى خارج أسوار المدارس وسلك التعليم.
ينص القانون العراقي على إلزامية التعليم ومجانيته في الوقت نفسه، ويعاقب أولياء الأمور في حال التنصل من هذا الواجب بشكل نظري، وخصصت الحكومة نحو 6 في المئة من الموازنة العامة للبلد للتربية، كما يتجاوز عدد العاملين في وزارة التربية مليون موظف ومدرس، بحسب الإحصاءات الرسمية، ويشكل الطلبة ثلث سكان العراق (أكثر من 6 ملايين في الابتدائية و293 ألفا في الثانوية ما عدا كردستان ونينوى)، لكن ما مدى تطبيق نظام التعليم الالزامي وهل هنالك بنى تحتية مهيئة للاطفال لينهلوا العلم من مرتعة العذب وهل يتوفر الشكل اللائق والحضاري المواكب للعصر؟ تساؤلات كثيرة أمام وضع متدني لا يعلم به غير الله اطاح بجيل بعد جيل وكانت تلك الظروف كفيلة بأن تفرز هذا الكم الهائل من التسرب من المدراس وتدني المستوى التعليمي ومشاكل سلوكية وعلمية اخرى.
...........................
اضافةتعليق
التعليقات